للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[توسط أمة محمد بين سائر الأمم]

فهذه الفرقة الناجية -وأخص منها الطائفة المنصورة- هم أهل السنة والجماعة، أما غيرهم فأهل الأهواء والبدع والضلال أعاذنا الله وإياكم، فالأمة في مجموعها وفي أصل معتقدها وفي أصل أحكامها وفي أصل توحيدها هي وسط بين أكثر من سبعين أمة سبقتها، فأجاب شيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله بعد مقدمة لطيفة لبيان ما كانت عليه الأمم من قبل، وذلك في المجلد الثالث من مجموع الفتاوى.

حيث قال: (فإن الله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق؛ ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً، وأنزل عليه الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه، وأكمل له ولأمته الدين، وأتم عليهم النعمة وجعلهم خير أمة أخرجت للناس، فهم يوفون سبعين أمة هم خيرها وأكرمها على الله عز وجل، وجعلهم -أي: جعل الأمة في مجموعها- أمة وسطاً -أي: عدلاً خياراً- ولذلك جعلهم شهداء على الناس).

كما في قول الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة:١٤٣]، قال الله عز وجل هذا الكلام بعد أن اعترض اليهود والمنافقون والسفهاء على تحويل القبلة من بيت المقدس إلى بيت الله الحرام، فقال سبحانه: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [البقرة:١٤٢].

ثم قال: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة:١٤٣].

قال: (ولذلك جعلهم شهداء على الناس، هداهم لما بعث به رسله جميعهم من الدين الذي شرعه لجميع خلقه، ثم خصهم بعد ذلك بما ميزهم به وفضلهم من الشرعة والمنهاج الذي جعله لهم).

ولذلك قال الله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة:٤٨]، فاختلاف الشرائع باختلاف الأنبياء، ومع كل نبي شريعة تخصه، أما الدين فهو واحد لا تبديل ولا تغيير فيه بين نبي وآخر.

قال: (مثل أصول الإيمان، وأعلاها وأفضلها هو توحيد الله عز وجل، وهو شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله).

الإيمان بها إيماناً جازماً، والقول بها قولاً بيناً، والعمل بمقتضاها على النحو الذي أمر الله عز وجل، وأمر به رسوله عليه الصلاة والسلام.

قال: (كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:٢٥]، وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:٣٦]، وقال تعالى: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [الزخرف:٤٥]، وقال تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى} [الشورى:١٣]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ * وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} [المؤمنون:٥١ - ٥٢]].

هذه الآية: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة:١٤٣] أي: عدولاً كما جاء في تفسير النبي عليه الصلاة والسلام لما سئل عن الوسط قال: العدل، فهذه الأمة في مجموعها أمة عدل، ولذلك ارتضى الله عز وجل لها -أي: كلفها- أن تشهد على الأمم من قبلها، ثم يكون الرسول عليه الصلاة والسلام شهيداً على هذه الأمة.

قال: (ومثل الإيمان بجميع كتب الله وجميع رسل الله، كما قال تعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة:١٣٦]، ومثل قوله تعالى: {وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ} [الشورى:١٥]، ومثل قوله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة:٢٨٥].

ومثل الإيمان بالله الإيمان باليوم الآخر وما فيه من الثواب والعقاب، كما أخبر عن إيمان من تقدم م

<<  <  ج: ص:  >  >>