للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[موقف الشيعة والصوفية من عصمة الأنبياء في الصغائر]

الشيعة الرافضة والإسماعيلية والصوفية وغيرهم من فرق الضلالة وقفوا موقفاً فيما يتعلق بوقوع الصغائر من الأنبياء يناقض موقف أهل السنة والجماعة، ويناقض مذهب جماهير العلماء من المحدثين والمفسرين، بل والمتكلمين كذلك، وقالوا: بأن الأنبياء معصومون من النسيان والخطأ والسهو، فضلاً عن عصمتهم من وقوعهم في الصغائر، فخالفوا بذلك النصوص الثابتة في كتاب الله عز وجل وفي سنة النبي عليه الصلاة والسلام، بل وأولوها تأويلاً غير سائغ، بل هو تحريف للكلم عن مواضعه، ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وإنما نقل القول بالعصمة المطلقة في العصر المتقدم عن الرافضة ثم عن المعتزلة، ثم وافقهم عليه طائفة من المتأخرين، قال: وعامة ما ينقل عن جمهور العلماء أنهم غير معصومين -أي: أن الأنبياء غير معصومين على الإقرار على الصغائر- ولا يقرون عليها -يعني: لو وقع نبي منهم في شيء من هذا عاتبه ربه على الفور- فبان الحق، وفي هذا إثبات أن الخطأ إذا وقع من نبي بقول أو فعل فإن الله تعالى يصححه على الفور، مما يبين وجوب الأسوة والقدوة بهم، وأن ذلك لا يؤثر على الاقتداء والتأسي بهم؛ لأن خطأهم مصحح بخلاف خطأ غيرهم.

ويقولون: إنها لا تقع بحال -أي: الجمهور- وأول من نقل عنه من طوائف الأمة القول بالعصمة مطلقاً وأعظمهم قولاً لذلك الرافضة، مع أن الرافضة أبعد الناس عن الأنبياء والمرسلين، وأعدى الأعداء للنبي عليه الصلاة والسلام ولأهل بيته، ويزعمون أنهم أولياء للنبي وأهل بيته، فإنهم يقولون بالعصمة على ما يقع على سبيل النسيان والسهو والتأويل، وينقلون ذلك إلى من يعتقدون إمامته كـ علي بن أبي طالب والحسن والحسين إلى آخر الأئمة الاثني عشر وقالوا: بعصمة علي، ومثلهم الإسماعيلية الذين كانوا ملوك القاهرة، وكانوا يزعمون أنهم خلفاء علويون فاطميون، وهم في الحقيقة باطنيون ملاحدة، ولذلك صنف الغزالي كتاباً يرد على الفاطميين يقول فيه: ظاهر مذهبهم الرفض وباطنه الكفر المحض، وهؤلاء هم الفاطميون الذين حكموا مصر ردحاً من الزمان، ولا تزال مصر ترزح تحت نيرانهم في باب العقيدة والسلوك، أما في باب العقيدة فإنهم لا يعتقدون معتقد أهل السنة والجماعة، وإنما يعتقدون معتقد الأشعرية والماتريدية، وهم في باب السلوك صوفية قبورية مشركون بالله عز وجل، وقد صنف كذلك القاضي أبو يعلى في الرد عليهم، والكلام في أمرهم يطول، وليس هذا معتقد أهل السنة والجماعة.

وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية سؤالاً آخر عن رجل قال: إن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون من الكبائر دون الصغائر، فقال: هو كافر.

أي: المسئول لما سئل عن رجل يقول: إن الأنبياء معصومون عن الكبائر دون الصغائر، قال ذاك المستفتى: إن من قال هذا فهو كافر، فهل هذا الكلام صواب أم خطأ؟ فقال شيخ الإسلام: الحمد لله رب العالمين.

ليس هو كافراً باتفاق أهل الدين، وهذا من مسائل السب المتنازع في استتابة قائله بلا نزاع، كما صرح بذلك القاضي عياض وأمثاله من المتشددين في باب العصمة، فضلاً أن يكون قائل ذلك كافراً، ولا حتى فاسقاً، فإن القول بأن الأنبياء معصومون عن الكبائر دون الصغائر، هو قول أكثر علماء الإسلام وجميع الطوائف، حتى إنه قول أكثر أهل الكلام، كما ذكر ذلك أبو الحسن الآمدي عليه رحمة الله؛ أن هذا قول أكثر الأشعرية، وهو قول أكثر أهل التفسير والحديث والفقهاء، بل لم ينقل عن السلف والأئمة والصحابة والتابعين وتابعيهم إلا ما يوافق هذا القول، بخلاف غير الأنبياء، فإنهم ليسوا معصومين لا عن الكبائر ولا عن الصغائر كما عصم الأنبياء، ولو كانوا أولياء لله، -أي: غير الأنبياء- لأن الصحابة أولياء، ومع هذا وقع بعضهم في الزنا، ووقع بعضهم في السرقة، ولكنه سرعان ما بادر بالتوبة وأقيم عليه الحد، فتاب إلى الله توبة كانت أفضل لحاله من حاله قبل ارتكاب هذه الكبيرة، ولهذا من سب نبياً من الأنبياء قتل باتفاق الفقهاء، ومن سب غيرهم لم يقتل، وإنما يعزر ويؤدب، وهذه العصمة الثابتة للأنبياء هي التي يحصل بها مقصود النبوة والرسالة كما هو مقرر عند أهل السنة والجماعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>