للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تعريف الجماعة]

بين النبي عليه الصلاة والسلام أن هذه الفرقة الناجية هم الذين تمسكوا بالسنة وتمسكوا بالجماعة، بل سماهم النبي عليه الصلاة والسلام بالجماعة، قال: (إلا واحدة وهي الجماعة)، ولذلك اختلف أهل العلم ما هي الجماعة؟ قالوا: هم السواد الأعظم من أهل الإسلام، أي: عامة الناس، وبعضهم أصاب في تعريفه أكثر فقال: هم الجماعة من أهل العلم والمجتهدين؛ معهم عامة الناس أو ليس معهم عامة الناس، المهم أنهم جماعة العلم والعلماء والمجتهدين؛ لأن أحداً لن يخالف هؤلاء إلا من منطلق الجهل أو الشهوة، ولذلك يقول ابن سيرين: ما ضل عالم قط، ويقول ابن مسعود رضي الله عنه: (الجماعة أن تكون على الحق وإن كنت وحدك).

والناظر في القرن الثالث الهجري في زمن أحمد بن حنبل يرى أن الولاة والأمراء والقضاة والحكام وغيرهم كانوا على الاعتزال -وهي فرقة باطلة-وأحمد رضي الله عنه وحده على الحق، ولذلك ناقشه رجل، وقال: يا أحمد لقد ظهر ما تزعم أنه الباطل على الحق الذي تزعم أنك عليه، ولو كان هذا باطلاً لم يكن له ظهور.

فقال له أحمد: ومن قال لك أنه ظهر؟ لا والله ما ظهر، إنما الظهور انتقال القلوب من الحق إلى الباطل، أما قلوبنا فمستقرة بالحق بإذن الله.

فواحد على الحق يؤثر بل ويقض مضاجع أهل الباطل وإن كثروا؛ لأن الباطل لجلاج ضعيف هزيل، لا يصمد أمام كلمة حق واحدة.

انظروا إلى سلطان جائر لو خرج عليه رجل وقال له: اتق الله في حكمك واحكم بشرع الله، كيف سيهتز؟! ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: (أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر)، فعد النبي عليه الصلاة والسلام هذا من أعظم مراتب الجهاد، مع أنه كلام يقال باللسان من شخص لشخص يملك أمة، والأمة كلها معه، وإذا استطاع أن يعمل فيها الخوف أو السيف لفعل دون أن ينكر عليه أحد، ثم يقول له: اتق الله فأنت ظالم فاجر، ويقيمه على الجادة إن أراد الله تعالى وهو واحد.

وبعضهم قال: الجماعة هي: جماعة الصحابة على جهة الخصوص؛ لأنه لم يثبت أن صحابياً واحداً خرج عن منهاج النبوة، أو كان مع أصحاب الفرق الضالة، وأن الله تبارك وتعالى عصمهم في مجموعهم؛ وما وقع بينهم من الاختلاف إنما هو من باب الاختلاف السائغ المعتبر، أما الخلاف في أصول الدين وقواعده الكلية فلم يكن ذلك كما كان فيمن أتى بعدهم، ولذلك استحق الصحابة رضي الله عنهم يرضا الله تعالى عنهم، ورضا النبي عليه الصلاة والسلام وترضي أهل السنة والجماعة عنهم استحقوا أن يكونوا القدوة والأسوة بعد النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا أمر لا يتأهل له غيرهم ممن أتى بعدهم.

وبعضهم قال: إن القوم إذا اجتمعوا على أمير صاروا جماعة.

وربما يحدث هنا لبس، فتقول هذه الجماعات المتناثرة المترامية في الأرض شرقاً وغرباً: نحن الجماعة! وليس الأمر كذلك، بل المقصود جماعة الإمام الأعظم والخليفة العام الذي ينتظره كل مسلم، فهؤلاء الحكام والأمراء والزعماء والقواد والملوك ليسوا في حقيقة أمرهم خلفاء، وإن زعم بعضهم أنه خليفة، وأمر الخطباء والوعاظ والعلماء بالدعاء له على المنابر وفي محاضراتهم ودروسهم باسم الخليفة، ليس الأمر كذلك، بل الخليفة عند أهل السنة والجماعة هو من تولى أمر المسلمين عامة في الشرق والغرب على وجه الأرض، وعين الولاة والأمراء، فعينوا هؤلاء القضاة وحكام القرى والريف وغير هؤلاء.

فالخليفة الذي ننتظره بعد أن سقطت الخلافة العثمانية في تركيا على يد الهالك المجرم الغاشم الآثم الكافر مصطفى كمال أتاتورك لعنه الله، لما سقطت الخلافة على يديه سنة ١٩٢٤م قامت هذه الجماعات مجتمعة لتسد بعض الثغرات التي نتجت عن سقوط الخلافة العثمانية، أو الخلافة الإسلامية.

هذه أقوال أهل العلم في بيان معنى الجماعة.

أقول قولي هذا وأستغفر الله تعالى لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

<<  <  ج: ص:  >  >>