للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الحق في الأصول العامة والقواعد الكلية واحد لا يتعدد]

قوله عليه الصلاة والسلام: (كلها في النار إلا واحدة)، يدل هذا القول على أن الحق واحد لا يتعدد، أي: الحق في الأصول العامة والقواعد الكلية واحد لا يتعدد، أما في فروع الشريعة فالباب واسع، ولذلك اختلف الصحابة رضي الله عنهم في فروع كثيرة جداً من الفقه وفي بعض فروع الاعتقاد، وأما الذي اختلف فيه السلف من الصحابة على جهة الخصوص فإنه يسع من أتى بعدهم، ولا يضلل أو يفسق أو يبدع به المخالف؛ لأن هذا هو دين الله عز وجل.

أما الخلاف في الأصول العامة والقواعد الكلية فإنه كفر بواح، فمثلاً: الخلاف على أن الله تعالى فرض الحج وفرضه في أشهر معلومات، فإن من نازع في ذلك كافر، ومن خالف في أن الله تعالى افترض على المسلم خمس صلوات في يومه وليله تؤدى ونازع في ثبوت ذلك فإنه كافر بالله العظيم، وقس على هذا غيره مما أجمع عليه أهل العلم بناء على ثبوته في الكتاب والسنة، فإن هذا مما لا يسع المسلم فيه الخلاف، ولا يمكن أن يأتي إنسان ويدعي أن هذا من باب الاختلاف في الدين، وأن هذا أمر مباح، وأن هذا خلاف سائغ معتبر، فإن من قال هذا فقد فَقَدَ دينه وعقله على السواء.

ولذلك قوله: (إلا واحدة)، يدل على أن الحق واحد؛ لأن مصدر الحق لم يختلف عليه أحد من أهل السنة والجماعة، وأن مصدر الحق هو كلام الله تعالى في كتابه، وكلام النبي عليه الصلاة والسلام في سنته الصحيحة، وإجماع أهل العلم خاصة إجماع الصحابة رضي الله عنهم، فيكون منشأ العلم الرد إلى الله تعالى، والرد إلى رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام، وهذا قد بُين في قوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام:١٥٣]، فبين أن صراطه واحد لا اثنان، وفي قول الله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء:٥٩]، فلم يقل: ردوه إلى قياس على غير أصل، أو إلى رأي فاسد، أو إلى زعماء هذه الفرق، أو أمراء الجماعات أو غير ذلك، وإنما إذا وقع النزاع والتفرق والاختلاف أن يكون الرد لله تبارك وتعالى ورسوله الكريم عليه الصلاة والسلام، وما أجمع عليه الصحابة رضي الله عنهم مما لم يرد في كتاب الله ولا في سنة الرسول عليه الصلاة والسلام بالأمر الصريح إنما أجمعوا عليه استنباطاً واجتهاداً من أدلة الكتاب والسنة، فلابد أن تفهم هذا فإنه مهم غاية الأهمية، بل لابد أن تضع هذه الأصول نصب عينيك تنير لك الطريق.

أما النبي عليه الصلاة والسلام فلم يعين هذه الفرق، قال: (ثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة)،لم يقل: الأولى من أهل النار، هي كيت وكيت وكيت، وأصولها كيت وكيت وكيت، ولم يفعل هكذا في كل فرقة من الفرق، وإنما بين أوصاف وعلامات وأمارات الفرقة الناجية؛ لأنها الأولى بالبيان؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام إذا بين صحة اعتقاد فرقة بعينها دل على أن غيرها من الفرق على معتقد باطل.

ويدل كذلك تعيين هذه الفرقة دون سواها أننا مطالبون ابتداء بمعرفة هذه الفرقة بجميع أصولها وقواعدها العامة الكلية؛ ثم اعتقاد أن بقية الفرق ما استحقت النار والخلود فيها إلا لأجل مخالفتها لهذا الحق الذي عليه الفرقة الناجية والطائفة المنصورة.

ولذلك لا يعجبني قط كما لا يعجب أحداً من أهل العلم انطلاق بعض المشايخ وأهل العلم في تعليم الطلاب ما هي الشيعة، وما هي القدرية، ومن هم الخوارج، ومن هم الروافض، ومن هم المعتزلة، ومن هم الأشعرية، قبل أن يتأهل المستمع في العقيدة السليمة، فإذا ترسخت هذه العقيدة في قلب السالك إلى الله عز وجل، وأصول الفقه والحلال والحرام والأخلاق والسلوك والآداب فلا مانع، وكثير ممن يفيق في هذا الزمان إنما يفيق بعد سن الأربعين، فلا يكفي ما تبقى له من عمر أن يدرس أصول هذه الفرق وفروع هذه الفرق، إنما يكفيك أن تنجو بنفسك، يقال: انج سعد فقد هلك سعيد.

الذي يلزمك لزوماً أكيداً أن تنطلق في البحث عن عقيدة أهل السنة والجماعة فتدرسها، وتتعلم أصولها وفروعها حتى لا تضل بك تلك الأهواء، وألا يدخل فيك داء الكَلَب الذي إذا دخل في كل عرق ومفصل منك لم يدع منك شاردة ولا واردة إلا أضلك فيها كما ضل من سبق.

<<  <  ج: ص:  >  >>