للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المؤمنون وسط فيما يتعلق بشرائع دين الله]

قال شيخ الإسلام رحمه الله: (وكذلك المؤمنون وسط فيما يتعلق بشرائع دين الله، فلم يحرموا على الله عز وجل أن ينسخ ما شاء ويمحو ما شاء ويثبت كما قالته اليهود، وكما حكى الله تعالى عنهم ذلك بقوله: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} [البقرة:١٤٢]).

لو كانوا مسلمين حقاً لآمنوا بالتحويل، وما جعلها الله عز وجل إلا ابتلاء لينظر من يؤمن ويسمع ويطيع، ممن ينقلب على عقبيه، وكان المنافقون واليهود أول من انقلب على عقبيه وأظهر الاعتراض على الله عز وجل، وقال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ} [البقرة:٩١].

قال: (ولا جوز المؤمنون لعلمائهم وعبادهم أن يغيروا دين الله كما فعلت النصارى).

ولذلك (دخل عدي بن حاتم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتلو: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة:٣١]، فقال عدي: يا رسول الله! ما عبدوهم؟ قال النبي عليه الصلاة والسلام: يا عدي! ألم يحرموا لهم الحلال ويحلوا لهم الحرام فاتبعوهم؟ قال: نعم.

قال: فتلك عبادتهم إياهم)، وهذا فيما يتعلق بالأحبار والرهبان، أي: علماء كل شرعة ومنهاج.

فلما أحلوا لهم ما لم يحله لهم الله تعالى ولا رسوله الذي بعث فيهم، وكذا فعلوا في الحلال أو في الحرام، فاتبعت الأمة علماءها ولم تتبع أنبياءها؛ فكان هذا ضرب من ضروب العبادة والربوبية لغير الله عز وجل، أما أمتنا فإنها ترد على أعلم أهل الأرض من أبناء المسلمين إذا حاد عن الطريق وإذا أخطأ.

لو أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه وهو أعظم رجل في الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم قال قولاً لم يوافق الحق لوجب على الأمة أن ترد عليه، لا تعبده من دون الله، فهذه الأمة محروسة معصومة محفوظة بحفظ الله تبارك وتعالى لها، وهذا في مجموعها، ولا يمنع أن يخطئ مجتهد في اجتهاده، وهو مأجور أجراً واحداً، ومن أصاب فهو الأصل وله أجران.

<<  <  ج: ص:  >  >>