وهكذا أريد أن ألفت النظر الآن مرة أخرى إلى أن كل ما جاء في هذا الكتاب إنما هو عرض تاريخي لاَ بُدَّ منه لكل من يُؤَرِّخُ لِلْسُنَّةِ ويتحدث عن مراحل جمعها وتدوينها. ولا يستطيع أن يغفل ذلك عالم يحترم نفسه ويريد من العلماء أن يحترموا كتابه، ولم أكتب فيه إلا ما أعتقد أن البحث العلمي يؤيده ويثبته.
ومع هذا فليس فيما كتبته ما يسيء إلى أية شخصية يحترمها الشِيعَةُ ويُجِلُّونَهَا كما يفعلون هم بالنسبة إلى جمهور الصحابة، ذلك أنا نُحِبُّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - ونُجلُّهُ ونعرف مكانته من الإسلام والعلم والفضل، كما نُحِبُّ أئمة أهل البيت من ذرية عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - ونحترم علمهم وفضلهم، وحبذا لو يفعل الشِيعَةُ كما نفعل، فنلتقي على كلمة سواء!.
وأعود فأكرر دعوتي للمخلصين من علماء الشِيعَةِ، وفيهم الوَاعُونَ الراغبون في جمع كملة المُسْلِمِينَ، أن نواجه جميعاً المشاكل التي يعانيها العالم الإسلامي اليوم، من انتشار الدعوات الهدامة التي تجتث جذور العقيدة في قلوب شباب السُنَّةِ وشباب الشِيعَةِ على السواء، بل هي أقوى على ذلك بالنسبة لقلوب شباب الشِيعَةِ، ولعل في الحوادث الجارية الآن (١) في بعض بلادنا العربية ما يؤكد ما أقول به، وأكرر دعوتي بوضع أسس التقارب الصحيح العملي لا القولي.
وفي مقدمة ذلك الاتفاق على تقدير صحابة رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، الذين على أيديهم انتقل هذا الدين إلينا، وبواسطتهم أخرجنا اللهُ من الظلمات إلى النور.
- ٦ -
أما المُسْتَشْرِقُونَ الذين اتَّخَذَ منهم أَبُو رَيَّةَ تكأة لآرائه، فقد كتبت عنهم كلمة موجزة في كتابي هذا، قبل أن أزور أكثر جامعات أوروبا عام ١٩٥٦ وأختلط بهم وأتحدث إليهم وأناقشهم.
(١) أي في سَنَةِ ١٩٦٠ عند ظهور الطبعة الأولى للكتاب.