للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عنه وقع المصيبة التى ألمت به، أو يمد له يد المساعدة فى أزمته؛ لأنه قطع هذه اليد بحرمانها من مال الله، ونفض عنه عون المعينين له بتلك السيئات التى بدرت منه فى حقهم، ونسيانه حق الأخوة والإنسانية لمن يعيش معه فى ظل هذه الحياة التى تحتاج إلى التكافل والتعاضد، والمواساة فى الضراء، والعاقل من عمل لغده وعرف حقيقة حاضره، وأن الأمر بيد الله الذى يثيب على العمل الصالح الباقى إلى يوم الدين.

أما ما نراه من مظاهر الحياة الدنيوية، وما بها من مغريات، فهى إلى زوال، ما لم تحط بالشكر، ولم تؤد الحقوق إلى أصحابها، ولم يصحبها غرور النفس ونسيانها لموجدها، وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَما كانَ مُنْتَصِراً هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً [الكهف: ٤٢ - ٤٤].

وهذا التيار الذى يسير فيه ذلك المثل القرآنى، وهو علاج ما يبدو فى الحياة من اغترار بظواهرها، وما تزخر به الدنيا من متع وشهوات خادعة للإنسان عن حقيقة نفسه، ونسيان مآله ومصيره عالجه مثل آخر قرآنى، وهو قول الله تبارك وتعالى فى سورة يونس:

٤ - قال الله تعالى: إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها (١) أَتاها أَمْرُنا (٢) لَيْلًا أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ (٣) كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ (٤) لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [يونس: ٢٤].

المغريات كثيرة من مال وبنين، وصنوف مأكل ومشرب وملبس، ولكن سريعا ما تنقضى وتزول بهجتها ومناظرها الخادعة، وتنهار أمام أعين من يعرف حقيقتها، بذهاب رونقها وبهائها، فهذه الدنيا بما فيها من زينات ومتع شبيهة بحال تلك الأرض التى أرسل الله عليها المطر، فأنبتت ما يسرّ الناظرين، ثم نزلت بها جائحة من السماء،


(١) قادرون عليها: متمكنون من الاستمتاع بها.
(٢) أتاها أمرنا: أهلكها الله بقدرته بجائحة.
(٣) كأن لم تغن بالأمس: هلكت فجأة، فلم يبق من ثمرها شىء، حتى كأنها لم تنبت.
(٤) نفصل الآيات كهذا المثل، وما يوضحه من حال الدنيا، واغترار الناس بها، أو نفصل حقائق التوحيد وأصول التشريع، وكل ما فيه صلاح البشر.

<<  <   >  >>