للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كَرِيمٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ [الحديد: ١٨، ١٩].

جاءت آية التصوير للدنيا وما بها من غرور، تحمل فى ثناياها الترغيب والتحذير، فهى توضح لنا مظاهر الاغترار بالدنيا، فمتاعها غرور لا حقيقة له، إن اطمأن بها الإنسان، وجعلها ذريعة للآخرة، ومثلها فى ذلك مثل ذلك المطر الذى يعجب الزارع، والذى أنبت نباتا كثيرا استطال حتى نضج، ثم ما لبث أن اصفر وأخذ فى الجفاف، ثم صار هشيما متكسرا، لا يبقى منه ما ينفع، وفى الآخرة عذاب شديد لمن آثر الدنيا، وأخذها بغير حقها، ومغفرة من الله ورضوان لمن آثر الآخرة على الدنيا.

وقال ابن كثير: ضرب الله المثل للحياة الدنيا فى أنها زهرة فانية، ونعمة زائلة بالمطر الذى يأتى بعد قنوط، فيعجب الزارع نبات ذلك الزرع الذى نبت بالغيث، كذلك تعجب الدنيا الكفار، فإنهم أحرص على كل شىء فيها.

ومن خلال هذه الأمثلة العديدة التى ذكرت للدنيا التى تغرر بالإنسان بما فيها من لهو، ولعب، وزينة، وتفاخر بالأنساب والأحساب وكلها على خلاف ما يعتقده الإنسان الجاهل، قوى ضعيفة لا تسانده مساندة حقيقية.

إنما العاقل الراشد فى تفكيره هو الذى يعمل لآخرته، كما يعمل لدنياه، وأن يفهم حقيقة ما يدعو إليه من عدم التكالب على حطامها، والتفانى فى جمع المال، حتى لا يكون ذلك سبيلا إلى التقاطع والتباغض بين الناس، فمن يغرق فى حاضره ويغفل عن الآخرة، تصدق عليه الآية الكريمة: إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ [يونس: ٧، ٨].

وهو ولا شك يغرر بنفسه، ويجلب عليها المتاعب بفعل ما يتسم بالتهور، والاندفاع، والطيش، وينقلب الأمر إلى حسرة، وندم كفاقئ عينيه عمدا، فلا يبصر طريقا، ويندم حيث لا ينفع الندم.

أما قصة ذلك المثل العربى، فكما ترويها كتب الأدب، تتلخص فى أن رواية الشاعر:

الفرزدق، قال: أتتنى النّوار زوجة الفرزدق، وقالت: كلم هذا الرجل أن يطلقنى، فأتيت الفرزدق، وقلت: يا أبا فراس، إن النوار تطلب الطلاق، فقال: ما تطيب نفسى حتى

<<  <   >  >>