للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأنكر دعوتهم، ووقف أمامهم موقف المحارب والمعاند لرسالتهم، وبهذا الظلم الذى بدر منه لنفسه ولغيره كان معول هدم لهذه الحياة التى أوجدها الله، وأراد لها البقاء إلى حين، فما الظلم إلا أداة للتنابذ والتباغض، وتفكك المجتمع، ويؤدى إلى خراب العمران.

وفوق ظلمه هذا، فهو جاهل بمكانته، ودوره فى الحياة وبنائها، وما هو مطلوب منه، كى يحيا تلك الحياة السعيدة عن طريق حسن فهمه، وبصره بمستقبله، واعتباره بما حدث، ويحدث له ولغيره فى ماضيه وحاضره، وجاهل أيضا بتلك الحكمة من وراء وجوده، وبما خلقه الله من أجله.

هذا هو الإنسان الذى هو محور الحياة، ومن أجله أرسل الأنبياء والرسل، ومن أجله جاءت الآيات القرآنية تشيد به، والأمثال تناولته فى عقيدته، وسلوكه، وعلاقاته، وحربه، وسلمه، وبقى علينا أن نعرض لبعض هذه الأمثال التى تناولت تلك النفس الإنسانية لنجلوها، ونكشف عما تخبئه هذه النفس من حقائق وراء مظهرها، وما لها من اتجاهات ونزعات، ورؤيتها لحقيقة نفسها وغيرها فى الحياة.

إن الرؤية القرآنية فى مجالات الأمثال التى تعرضها، وفى كثير من المواطن، لا تمثل هذه النفس الإنسانية فى موطن واحد، وسبب معين، وإنما تشرح هذه النفس وتصورها فى جميع أوقاتها، وفى كل حالاتها ماضيا، وحاضرا، ومستقبلا، وهذا سر إعجاز القرآن، ودلالة آياته البينات.

١ - قال الله تعالى: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ [البقرة:

١٧، ١٨].

هذا المثل القرآنى من جملة آيات كريمة نزلت فى سورة البقرة، وهى سورة مدينة، وأطول سور القرآن الكريم، وقد تناولت أمور التشريع، والدعوة إلى توحيد الله، وتعرضت إلى ما فى القرآن من إعجاز، وما يرد من نسخ، ثم تكلمت السورة عن أحوال السابقين من أنبياء ورسل من لدن آدم، عليه السلام، وخصت بنى إسرائيل بكثير من الآيات التى تناولتهم فى معاملاتهم لموسى، عليه السلام، وطريقة تفكيرهم القائمة على اللجاج، والمجادلة، والمكر، والخداع، كما ذكرت الكثير من قصص بنى إسرائيل.

<<  <   >  >>