للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأفاضت السورة فى تناول التكاليف الشرعية والفرائض التى فرضها الله سبحانه وتعالى على أمة محمد، عليه الصلاة والسلام، من صلاة، وصيام، وحج، ومعاملات ...

إلخ، وقد أفردت بالذكر فى آيات الربع الأول النفس الإنسانية التى نحن بصدد تشريحها وتعريفها من خلال هذا المثل القرآنى.

قسمت هذه النفس إلى أنفس ثلاث، كما ذكر ذلك صاحب تفسير المنار:

(أ) نفس مؤمنة: أخلصت فى إيمانها بالله الواحد الأحد، وكان لها من صلاح العقيدة، وشفافية الروح، وما تجنى من طمأنينة نفس، وعمل صالح، واستقامة على الطريقة، وأخذ بسنة الأولين من السلف الصالح، واستغلال لإمكاناتها وطاقاتها فى الاهتداء لداعى الإيمان، والفهم الواعى، والعلم المستنير، بكل ما دعا إليه الدين من الإيمان بالغيب، والقيام بأداء الشعائر، والإنفاق فى سبيل الله، والتطبيق لأحكام الله، أتاها القرآن الكريم بالدين القيم، والهداية التى عمل بها الأولون، فكانت لهم طريق نجاح فى حياتهم العملية والإيمانية، وانتصروا على أنفسهم وعلى أعدائهم، وطهرت نفوسهم من الشرك، وعادات الجاهلية وتقاليدها.

(ب) نفس كافرة جاحدة: عاندت وأصرت على الكفر بالله، وبما أرسل من كتب وأنبياء، وألغت وظيفة حواسها، كما ألغت عقلها فى الفهم عن الله، وابتعدت عن طريق الحق، وأظهرت العصيان لله، وتمردت عليه، فلم تستجب لدعوته.

طريقان مختلفان، ومسلكان متناقضان يمثلان تلك النفس الإنسانية بالنسبة لدعوة الحق جل وعلا، مؤمن وكافر، يمين وشمال، كل فريق يجد جزاء عمله فى دنياه وفى أخراه.

ويبقى بعد ذلك ما بين الطريقين والمسلكين من اتجاهات تميل مع هذا مرة، ومع الآخر مرة أخرى، وهذا هو ما أتى المثل القرآنى ليعرضه أمام أعيننا، وليبسط حقيقته، فهو ما تحار العقول فى فهمه، وما يلتبس على الجميع شكله ومظهره، ويبدو على سطح الحياة متحكما فى سيرها، متقلبا فى أوضاعها المختلفة، حقيقة هذه النفس الملتوية التى كانت وما زالت وستظل أشد خطرا على المؤمنين فى كل وقت وحين، وعلى كل دعوة بناءة، وأمام كل إصلاح طريق هدم وتعطيل، يسلط المثل على هذه النفس الضوء ليحذر المؤمنين من أعمالهم التى تهدف إلى تخريب المجتمع، فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى

<<  <   >  >>