من هذا الذى ادعوه، وأنه واحد أحد، وله ما فى السموات والأرض يخضع لمشيئته، وإذا أراد شيئا كان بقدرته الفاعلة.
أما مشركو قريش الذين تحكم فيهم الجهل، وسيطر على نفوسهم جانب الغفلة، فقد أبانوا عن هذه الجهالة بتلك الاقتراحات الباطلة من تكليم الله إياهم، أو إنزال آية، تشابهت مواقفهم مع مواقف الأمم السابقة من اليهود الذين طلبوا من موسى، عليه السلام، أن يروا الله جهرة، فأخذتهم الصاعقة.
وهؤلاء الغافلون من أهل مكة أيضا يطلبون آية تشهد بنبوة محمد، أو يفجر الله لهم ينابيع الماء، إلى غير ذلك من تلك الخوارق المادية التى تدل على الجهل بالشرائع وبالكتاب، من هذه الاقتراحات ما يدل على إنكارهم لرسالة محمد واختصاصه بالوحى دونهم، ولم يكن ذلك إلا عن جهل وعدم معرفة بحقيقة أن الله سبحانه يختار لرسالته من يشاء، وأن الله أجرى على يديه آيات قرآنية، وعقلية، وكونية، عجز الفصحاء والبلغاء أن يأتوا بمثلها، ولكن هذا دأب الكافرين فى معارضة الحق.
لذلك ختم الله هذا المثل بقوله: قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [البقرة: ١١٨]، والذين يوقنون هم من خلصت نفوسهم من شوائب الشرك والتقليد، والآراء الفاسدة، وتوجهت إلى طلب الحق فى الأمور الاعتقادية بالبرهان والدليل.
وبالإضافة إلى هذا الجانب الاعتقادى والعقلى الذى يتميز به المؤمن لكى يمارس دوره البناء فى الحياة كما يجب أن تكون، عليه أن يستفيد أيضا من تجارب الآخرين، وأن يتحمل بأساء الحياة، وما بها من سنن تجرى بقضاء الله وقدره، ومن انتصار مرة، وهزيمة أخرى، حتى يكون كأولئك الذين نصبوا أنفسهم للدفاع عن الدين إبان ظهوره، يتعلم منهم، فلا يقنط من رحمة الله إذا ألم به مكروه، ولا يحزن إذا نزلت به كارثة، فتلك الأيام نداولها بين الناس.
أتت هذه الآية عقب آية تنهى عن الجزع والحزن، والوهن الذى يصيب كل مهزوم، وذلك فى قوله تعالى: وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران: ١٣٩].