فلا يليق بالمؤمن أن تتملكه هذه النزعات التى تتنافى مع كمال الإيمان، وروح الاعتقاد، بل هى من صفات أولئك الكافرين الذين تجردوا من الإيمان بالله، وتحكمت فيهم شهوات النفس وحب الدنيا، أما أولئك الأقوياء فى عقائدهم، فهم يستسلمون لقضاء الله وقدره إذا نزل بهم مكروه، ولا يجزعون من الأحداث التى تضعف النفس، فالله جلت قدرته قد حكم فى محكم قرآنه أن الغلبة والفوز لمن تمكن الإيمان من قبله، والذى يعمل من أجل الحق وإزهاق الباطل، فقال فى كتابه العزيز: كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ [المجادلة: ٢١].
ثم جاءت الآية الثانية: إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ [آل عمران:
١٤٠]، جاءت هذه الآية لتوجه البصائر إلى ما يقع فى الحياة من سنن الله، ولن تجد لسنة الله تبديلا، هذه السنن تحدث فى الحياة ومع الإنسان فى عاداته، وسلوكياته، وحروبه، ومواقفه المتعددة، سنن تجرى من الله جل وعلا لتكون فى جانب الحق تارة، ولتكون فى جانب الباطل تارة أخرى، ينتصر الإيمان فى معركة، وقد ينتصر الشرك فى معركة، فقد انتصر المسلمون فى غزوة بدر الكبرى على الرغم من قلة عددهم وعدوهم، وانهزم المشركون وقوى الباطل، ثم هزم المسلمون فى معركة أحد أمام الكفار.
كل هذه السنن تجرى تبعا لحكمة إلهية أرادها الله، وجعل لكل شىء سببا، فما كان من هزيمة المسلمين، إنما لأسباب عديدة، لا لنقص فى الإيمان، ولا لضعف فى العزيمة، ولا لغرور أصاب القوم، وإنما كان لمخالفة الجند لأمر القائد، وترك أماكنهم التى أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبقاء فيها؛ لحماية جيش المسلمين والنّبل عنهم إذا تعرضوا لهجوم مباغت، وهكذا كانت النتيجة مترتبة على عمل من أعمال الإنسان، وليست بأمور خارجية عنه.
ولذلك جاءت الآيات القرآنية تعلم، وتظهر حكمة الله فى هذه الهزيمة التى لحقت بالمؤمنين فى هذه المعركة لتكون طريقا إلى العظة والاعتبار، ودرسا يستفيد منه كل من يبغى الفهم الحقيقى لجوهر الدين ومراميه، فإذا كان المسلمون قد هزموا فى معركة أحد، فقد هزم الكفار أيضا فى معركة سابقة، وأصابهم ما أصاب المسلمين من خسائر فادحة، وليس هذا الأمر صدفة وجزافا، وإنما لأسباب جديرة بالفهم والدرس، فالنصر يتحقق بالأعمال التى تحقق النجاح، والاستعداد، وجانب الحذر، والقيادة الحكيمة،