سبقت هذه الآيات بأمر للرسول، عليه الصلاة والسلام، بمجاهدة تلك العناصر المناهضة للدعوة، والتى تمثلت فى عنصرى الكافرين والمنافقين، وهذه المجاهدة هى لون من ألوان العلاج لهؤلاء وأمثالهم فى كل عصر وحين، تختلف فى أشكالها وأنواعها، فلا بد وأن الجزاء من جنس العمل، والدواء مما يتناسب مع المرض مرارة وشدة، فقد أمر الرسول بمجاهدة فى طياتها غلظة وشدة لا تعرف الرحمة والشفقة، فهم نماذج سيئة للإنسان الذى ضل سواء السبيل، ولم يتبع الهدى، لذلك كان مأواهم جهنم وبئس المصير.
ثم جاءت الأمثال أيضا بنماذج من الأعمال الطالحة، والأعمال الصالحة من أقوام سابقين تحمل فى ثناياها العظة والاعتبار، نماذج من جنس النساء تمثل نزعتين من النزعات اختلفتا هداية، وضلالا، ومسلكا، وعاقبة، وطباعا، وأخلاقا، وتحملت كل نفس وزر عملها، فلم تنفعها صلة قربى، أو وشيجة نسب، كما لم تضرها سيئة ليست من كسب يدها.
هذا هو الصرح الثانى فى هذا المنهج القرآنى بعد العلم، واستخدام العقل والتدبر، وهو إبراز ذاتية الإنسان، وحريته فى العمل، وتحمله للمسئولية فى نشاطاته المختلفة فى الحياة، والعمل من أجل الكرامة والعقيدة.
امرأة نوح، وامرأة لوط، انفصمتا عن زوجيهما الصالحين بأعمالهما الفاسدة، فكانتا من الكافرين، ولم تنفعهما صلة الزوج، ولم تنقذهما من عذاب الله؛ لأنهما تآمرتا على زوجيهما، وأفشيا سرهما إلى قومهما، فكانا عونا للكافرين، ومشاركين للباطل فى وقفته ضد الحق وأهله.
هذه القرابة الأسرية مرفوضة؛ لأنها قامت على غير هدى وطاعة، وقد وقف نوح، عليه السلام، هذا الموقف من ابنه، وهو يوشك على الغرق حينما أراد الاعتصام بالجبل ليحميه من الطوفان والغرق، وكان من جملة الكافرين، فقال: إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ [هود: ٤٥، ٤٦]، صدق الله العظيم.
فالقرابة هى الطاعة والدين، ولا قرابة لعاص، ولا لخارج عن أوامر الله.