للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يكون فى راحة بال وطمأنينة نفس بما آتاه الله من علم، ولكن هكذا الدنيا، فكلما زاد الإنسان غنى ازداد رغبة وطمعا، فهو كمن يشرب من ماء البحر ليروى عطشه، ولكن هيهات، وكذلك العالم الذى لا يستهدى بعلمه، ولا يتخذ منه طريق دلالة يظلم نفسه، فلا هو استراح بالمعرفة والعلم، ولا استراح الجاهل بجهله.

ولذلك يأمر الله سبحانه وتعالى رسوله أن يحذر من يعلمون شيئا أن ينتهوا إلى تلك النهاية البائسة، وأن يصيروا إلى هذا اللهاث الذى لا ينقطع أبدا، وأن يظلموا أنفسهم ذلك الظلم الذى لا يظلمه لعدوه، فإنهم لا يظلمون إلا أنفسهم، فالعلم بكل صوره وأشكاله يحقق الهدف من المعرفة والإيمان، ويبحث فى الوجود والطبيعة، وفى كل ما

ينفع الناس دنيا وأخرى، وهو قوة وزاد لا يدخل عقل إنسان، إلا وينتقل إلى نفسه وأسلوب حياته، ومعيشته، وطريقة تعامله فى مجتمعه مع تباين الناس فى علمهم، هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [الزمر: ٩]، وأمر الله سبحانه وتعالى رسوله، عليه السلام، أن يدعو قائلا: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً [طه: ١١٤].

فإذا نظر الإنسان إلى الكون وما فيه بالتأمل، وحاول أن يفهم السنن التى جرت وتجرى فى تسخيره، لاهتدى إلى مفتاح الكون لإدارته بقدرة الله، وهذا يزيده قربى من الله، وقد كان ذلك أول خطوة خطاها أبو الأنبياء، عليه السلام، كما ذكرت ذلك الآيات القرآنية: وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ [الأنعام: ٧٥].

وبهذا الأسلوب استطاع الإنسان الهداية إلى خالقه الأعظم، وتحرر من أسر العادات الباطلة، والخرافات الجاهلة، والخضوع للآخرين، وقد أثبتت التجارب أن العلماء بأبحاثهم واكتشافاتهم هم أقرب الناس إلى الإيمان الصحيح القائم على الأدلة والبراهين، إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ [فاطر: ٢٨].

٢ - قال الله تعالى: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ [التحريم: ١٠ - ١٢].

<<  <   >  >>