للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ (١) يَلْهَثْ (٢) أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ساءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَأَنْفُسَهُمْ كانُوا يَظْلِمُونَ [الأعراف: ١٧٥ - ١٧٧].

جاء هذا المثل القرآنى بعد آيات تعرضت لموقف الخلق من لدن آدم، عليه السلام، حيث أخذ الله عليهم العهد بعبادته وحده، والإيمان بربوبيته، وإقرارهم على ذلك، وتنصلهم مما يفعله المجرمون من غفلتهم عن هذه الحقيقة، واتباعهم لغيرهم فى عبادات فاسدة، وإقرارات أخرى زينها لهم الشيطان ومن اتبعه، فضلوا عن سواء السبيل، فصلت الآيات ذلك حتى يكون الاهتداء إلى الحق طريق من يطلبه ويسعى إليه، ويهديه الله إليه بالفهم الواعى، والعلم النافع، والقلب السليم.

قال الله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الأعراف: ١٧٢ - ١٧٤].

وإذا كان أول طريق إلى تحقيق هذه الهداية هو العلم والانتفاع به فى مجال الإيمان بآيات الله المنزلة على رسوله صلى الله عليه وسلم وما يساندها من آيات ودلائل كونية ونقلية، فإذا كان عالما بها، حافظا لقواعدها، عارفا بأصولها وأحكامها، عاملا بها، كان الإنسان مؤمنا حقا، أما إذا تباين عمله مع عمله، ولم ينظر فى تلك الآيات نظر اعتبار، فلا بد وأن يسلب هذه النعمة، وهذا المعنى يظهر فى تلك الآيات البينات التى تعرض المثل القرآنى، فقد صور المثل حال الذى أعطى العلم، ولم يعمل به، فسلبه الله تلك النعمة، فأشبه فى حالته تلك الحية التى تنسلخ من جلدها، وتتركه على الأرض.

صورة معجزة، واضحة الدلالة لهؤلاء المكذبين بالرسول مع ما أتى به من آيات واضحات وحجج قاطعة، الذين يشبهون حال ذلك العالم الذى حرم ثمرة علمه، فكل منهما لم يستفد شيئا ولم ينظر نظر اعتبار، فخرج من الآيات، وكفر بها، ومال إلى الدنيا وحطامها، وما فيها من شهوات، وتمتع بلذائذها، وقد كان فى إمكان ذلك العالم أن


(١) إن تحمل عليه: تزجره وتطرده.
(٢) يلهث: يخرج لسانه من النفس الشديد عطشا أو تعبا.

<<  <   >  >>