وتعالى. هذه الصورة ذكرت فى الكتب السماوية القديمة، التوراة، والإنجيل، وأبرزت صفات محمد وصحبه فى جهاد الدعوة بتلك الصورة المشرقة التى تدعو إلى الاقتداء بجليل الأعمال، والإخلاص فى الدعوة وتحمل تبعاتها، استجابة لأمر الله وإتماما لنوره، حتى يصل إلى كل قلب واع، وروح متفتح إلى الإيمان بالله، والتنزه عن دنس الشرك، ووسوسة الشيطان، واتباع الهوى.
ومن الملاحظ أن تلك الصفات التى وصف بها محمد وصحبه إنما تناولت تلك القيم النفسية، من قوة فى الحق، وتراحم بين الناس، ومؤاخاة، وإخلاص طاعة، وكلها صفات وقيم تغطى على تلك القيم التى تواضع الناس عليها فى وقتنا الحاضر من تفاخر بالمال وكثرته، وطغيان بالمركز والجاه، وتعالى على الآخرين باللون والحسب والنسب، قيم باطلة زائفة لا تصمد على الأيام، وهى ما تلبث أن تذروها الرياح ولا يبقى منها شىء.
ولكن هل استطاعت هذه الصورة أن تصل إلى تلك القلوب الغلف فتهديها إلى سواء السبيل؟ هل وجدت الأرض ممهدة؟ هل أرست دعوتها فى بناء هذه الأمة دون مكابدة وعناء؟.
سبق هذا المثل بآية قرآنية تلفت النظر إلى ذلك اليوم الذى يجب أن يعمل حسابه كلّ مخلوق، وأن يزن أعماله قبل أن توزن عليه، ويحاسب نفسه قبل أن يحاسب فيه، وهو يوم القيامة الذى تقف فيه الأنفس والخلائق خاشعة بين يدى ربها ذليلة، تحاول أن تبرئ ساحتها مما لحق بها من سيئات، وأن تنفض عنها غبار الذنوب والآثام، وتحاول أن تظهر حسن نياتها بما عملت فى دنياها، والله عليم بكل نفس، وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً [الكهف: ٤٩]، فهو يعطى لكل ذى حق حقه: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة: ٧، ٨].
هذا هو اليوم، وهو موقف تتعرى فيه النفس الإنسانية، وتظهر على حقيقتها، قال الله تعالى: يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [النحل: ١١١].