للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم جاء المثل عقب ذلك ليسوق ما يحمله من حقيقة تلك القرية وقاطنيها، المنعمين بخيراتها، الرافلين فى حلل الأمن والطمأنينة النفسية والمادية، ثم تتبدل بهم الأحوال بفعل أنفسهم، وتغير أخلاقهم، فيكفرون بنعم الله، فيذيقهم الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون.

والمثل يضرب لكل قوم أنعم الله عليهم فأبطرتهم النعمة، وكفروا وتولوا، فأنزل الله نقمته بهم، وهؤلاء القوم قد يراد بهم أهل مكة التى كانت آمنة مطمئنة، مستقرة، يأتيها

رزقها رغدا من كل مكان، ويتخطف الناس من حولها، وهى آمنة، ثم كفرت بأنعم الله عليها، وجحدت فضله، فلم تشكر الله على ما أعطاها من نعم، وخصها به من منح، وليست هناك منحة أعظم، ولا نعمة أوفى من بعثة محمد صلى الله عليه وسلم، ولكنها استقبلتها بالجحود والنكران، فكانت نقمة الله عليها شديدة، إذ بدل حالها، فألبسها الله لباس الجوع والخوف بعصيان أهلها لأمر الله وكفرانهم، فدعا عليهم رسول الله بسنين كسنى يوسف، عليه السلام، فأصابتهم سنة أذهبت كل شىء، وسيطر عليهم الخوف بما حققه رسول الله صلى الله عليه وسلم من انتصارات فى غزواته المختلفة، حتى تم فتح مكة، وذلك بسبب تكذيبهم لرسول الله الذى بعثه الله من بين أظهرهم داعيا، ومبشرا، ونذيرا، وعاد عاقبة الظلم على أهله.

وإذا كانت هذه صورة قائمة لذلك المجتمع المكى الذى ساند بعضه بعضا على الباطل، ووقف ضد نور الله يحاول أن يطفئه، فكانت يد الله الغالبة، وجاء الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقا، وتكسرت الأصنام، وحطمت تلك المعبودات يوم فتح مكة، كما تحطمت معها أنصارها وأعوانها من مفسدين وظالمين بما كانوا يصنعون.

فهى أيضا صورة لكل من سار على درب الضلال فى كل حين، ضلال الفكر والاعتقاد، وضلال العمل، والفسوق، والعصيان، والمصير هو المصير، فالقانون الإلهى يجرى على الناس جميعا لا يتخلف، فما دام هناك كفر وعصيان وابتعاد عن الحق وأهله، كانت هناك نقمات من الله من جوع يؤدى إلى نقص فى الأموال، والأنفس، والثمرات، والإمكانات المادية، وخوف يسيطر على الأفئدة، فتحرم نعمة الأمن والأمان فى الحياة، وتتبدد القوى المادية والمعنوية التى هى عماد الحياة الحقيقية، وذلك كله جزاء تلك الأعمال السيئة التى اقترفتها الأيدى، والنوايا الخبيثة التى أضمرتها القلوب.

<<  <   >  >>