قال الله تعالى فى هذه الآيات: كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [البقرة: ٢١٣].
ويلى هذا مقارنة فى المثل القرآنى بين حالين، وعرض لنموذجين، تظهر من خلالهما تلك الدعوة النبيلة من الله عز وجل للمؤمن أن يكون أهلا لتحمل أعباء الحياة، وما تستلزمه من جهاد ومشقات فى سبيل الوصول إلى الغاية والفوز.
يصدق هذا على السابقين فى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته، وعلى اللاحقين الذين أتوا بعده، وعلى كل جيل يأتى، فليس الانتماء بالاسم موجبا لاستحقاق الرحمة يوم القيامة ودخول الجنة، بل طريق ذلك تحمل الإيذاء فى سبيل الله، وفى طريق الحق وهداية الخلق: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ [آل عمران: ١٤٢].
هذه سنة الله الجارية فى خلقه، لا تتغير ولا تتبدل، وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا [الأحزاب: ٦٢]، وقد جرت سنة الله على أن الإيمان الحقيقى لمن اعتبر واتعظ بما حدث للسابقين الذين نزلت بهم الشدائد، وأحاطت بهم قوى الأعداء، ولم يروا بادرة من بوادر الفوز تلوح لهم، واعتقدوا أن وقت العناية الإلهية والنصر الذى وعدهم الله به قد حان، أو أبطأ حدوثه، فاستعجلوه بقولهم: مَتى نَصْرُ اللَّهِ [البقرة: ٢١٤].
منهج تعرضه الآيات، جدير بالاعتبار والتقدير، وهو طريق إلى التربية الصحيحة للأفراد والمجتمعات والشعوب، إذا أرادت أن يكتب لها نجاح فى هذه الحياة، ففي تجارب الآخرين وأحداثهم، وبخاصة المتماثلون فى النهج والطريق والمشكلات، سبيل إلى التعلم والاستفادة، ولا خير فى شعوب وأمم وأفراد، أصمت آذانها عن سماع القول والحق، وعميت عن رؤية الأحداث، وإن تحقيق أى فوز فى الحياة مرهون بالتدبير،