وهو فى كل ذلك عزيز النفس، بعيد عن الدنايا وارتكاب الخطايا (١).
وهكذا تكاملت أمامنا فيما عرضناه صورة المجتمع الرافض للخير، وما كان له من عاقبة سيئة، ثم ظهور تلك النبتة الخضراء التى تحمل فى ثناياها الإيمان والفكر المستنير، فتأخذ بيد الحائر فى متاهات الحياة، والفكر، والعقل.
ويبدأ يتكون ذلك المجتمع المتكامل المؤمن، الذى يشق طريقه إلى تحقيق حرية الحياة، والعقيدة، والفكر، ويبذل فى سبيل ذلك كل مرتخص وغال من دم ومال، وهذا طريق البناء الصحيح فى تحمل أعباء الحياة، كما يبدو فى الآيات التالية.
سبقت ذلك آيات بينات مهدت وفرشت لما يأتى به المثل القرآنى، فقد تعرضت إلى حكمة الله جل وعلا، التى اقتضت أن تكون هناك مجموعة من الخلائق خلقها الله فى أحسن تقويم؛ لتقوم بدورها العبادى عن طريق ما وهبت من تفكير وعقل، وما حباها الله به من مبعث أنبياء مبشرين لهم بالجنة، وحسن المآب، إذا صلحت منهم الأعمال، ومخوفين لهم من عذاب الله إذا أساءوا السلوك، وانحرفوا عن النهج، ولم يكتف بإرسال الرسل، بل أرسل مع هؤلاء الأنبياء كتبا تبين حقيقة العبادة، وجوهر الدين، وما يجب أن يكون عليه الحكم بين الناس فى القضاء والمعاملات والعبادات ... إلخ من ألوان الفرائض التى فرضت وشرعت على يدى إبراهيم، وموسى، وعيسى ... إلخ، هذه المواكب من الرسل والأنبياء الذين اصطفاهم الله من بين خلقه.
ولكن بعض النفوس التى جبلت على الكفر والعناد، أبت إلا أن تذهب فى فهمها لهذه الكتب مذهب المصلحة الخاصة، والبعد عن روح الدين، والتأويل للمقروء منها، حتى خرجوا بها عن صفائها ونقائها إلى غير المقصود منها، وقد جر هذا الاختلاف الكثير من المتاعب للرسل والأنبياء، والبعد بالرسالات إلى غير ما وجهت إليه، وقد هدى الله القلة القليلة التى أحسنت الفهم، ولم تخرج عن المنهج الذى وضع من قبل الله فى كتبه ورسالاته، واستطاعت أن تواصل حمل مشاعل الهداية على طريق الله وصراطه المستقيم.
(١) من كتاب العظات الدينية فى الأمثال القرآنية والنبوية.