قال المفسرون: اختصم يهودي ومنافق، وقيل: بل مؤمن ومنافق، فأراد اليهودي، وقيل: المؤمن، أن تكون الحكومة بين يدي الرسول صلّى الله عليه وسلّم فأبى المنافق.
فنزل قوله تعالى: يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ [النساء: ٦٠] إلى هذه الآية، وكان معنى هذه الآية: ولو أن المنافقين جاءوك فاستغفروا من صنيعهم واستغفر لهم الرسول، وقد زعم بعض منتحلي التفسير: أن هذه الآية نسخت بقوله:
وهذا قول مرذول، لأنه إنما قيل: فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ لإصرارهم على النفاق، فأما إذا جاءوا فاستغفروا واستغفر لهم الرسول، فقد ارتفع الإصرار فلا وجه للنسخ.
[ذكر الآية الثامنة عشر]
: قوله تعالى: خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً [النساء: ٧١] وهذه الآية تتضمن الأمر بأخذ الحذر، والندب إلى أن يكونوا عميا وقت نفيرهم، ذوي أسلحة عند بروزهم إلى عدوهم ولا ينفروا منفردين، لأن الثبات الجماعات المتفرقة.
وقد ذهب قوم: إلى أن هذه الآية منسوخة.
[١٢١]- أخبرنا ابن ناصر قال: ابنا علي بن أيوب، قال: ابنا علي بن شاذان، قال: ابنا أبو بكر النجاد، قال: ابنا أبو داود السجستاني، قال: ابنا الحسن بن محمد، قال: ابنا حجاج بن محمد قال: قال ابن جريج وعمر بن عطاء، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ، وقال: انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا [التوبة: ٤١] وقال: فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ [التوبة: ٣٩] ثم نسخ هذه الآيات، فقال: وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ [التوبة: ١٢٢].
قلت: وهذه الرواية فيها مغمز، وهذا المذهب لا يعمل عليه، وأحوال المجاهدين تختلف، والأمر في ذلك على حسب ما يراه الإمام، وليس في هذه الآيات شيء منسوخ بل كلها محكمات، وقد ذهب إلى ما قد ذهبت إليه أبو سليمان الدمشقي.