قد ذهب جماعة من القدماء إلى أن في هذه الآية منسوخا، ثم اختلفوا في المنسوخ منها على قولين:
القول الأول: أنه قوله: وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ.
قالوا: فكان يجب على كل مطلقة أن تعتدّ ثلاثة قروء، فنسخ من ذلك حكم الحامل بقوله: وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق: ٤] ونسخ حكم الآيسة والصغيرة من ذلك بقوله: وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ [الطلاق: ٤]، ونسخ حكم المطلقة قبل الدخول بقوله:
إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها [الأحزاب: ٤٩]، وهذا مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة إلا أن ابن عباس استثنى، ولفظ قتادة نسخ.
[٥٩]- أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: ابنا أبو الفضل البقال، قال: ابنا أبو الحسين بن بشران، قال: ابنا إسحاق الكاذي، قال: بنا عبد الله بن أحمد، قال: حدّثني أبي، قال: بنا عبد الوهاب، عن سعيد، عن قتادة، وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ قال: فجعل عدة المطلقة ثلاث حيض، ثم نسخ منها التي لم يدخل بها فقال: إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها فهذه ليس لها عدة، وقد نسخ من الثلاثة قروء، امرأتان، فقال: وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فهذه العجوز التي لا تحيض عدتها ثلاثة أشهر، ونسخ من الثلاثة قروء الحامل فقال: وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ.
والقول الثاني: أن أول الآية محكم، وإنما المنسوخ منها قوله: وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ [البقرة: ٢٢٨]
قالوا: فكان الرجل إذا طلق ارتجع، سواء كان الطلاق ثلاثا أو دون ذلك، فنسخ هذا بقوله: فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ [البقرة: ٢٣٠].