قلت: واضح بأن التحقيق في الناسخ والمنسوخ يظهر أن هذا الحصر تخريف من الذين حصروه، والله الموفق.
... الباب التاسع باب ذكر الآيات اللواتي ادّعي عليهنّ النسخ في سورة البقرة
[ذكر الآية الأولى]
: قوله تعالى: وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ [البقرة: ٣] اختلف المفسرون في المراد بهذه النفقة على أربعة أقوال:
الأول: أنها النفقة على الأهل والعيال، قاله ابن مسعود وحذيفة.
والثاني: الزكاة المفروضة، قاله ابن عباس، وقتادة.
والثالث: الصدقات النوافل، قاله مجاهد والضحاك.
والرابع: أن الإشارة بها إلى نفقة كانت واجبة قبل الزكاة.
ذكره بعض ناقلي التفسير، وزعموا: أنه كان فرض على الإنسان أن يمسك مما في يده قدر كفايته يومه وليلته ويفرق باقيه على الفقراء، ثم نسخ بآية الزكاة (١).
وهذا قوله ليس بصحيح لأن لفظ الآية لا يتضمن ما ذكروا وإنما يتضمن مدح المنفق، والظاهر أنها تشير إلى الزكاة لأنها قرنت مع الإيمان بالصلاة.
وعلى هذا؛ لا وجه للنسخ، وإن كانت تشير إلى الصدقات النوافل والحث عليها باق، والذي أرى ما بها مدح لهم على جميع نفقاتهم في الواجب والنفل، وقد قال أبو جعفر يزيد بن القعقاع: نسخت آية الزكاة كل صدقة كانت قبلها، ونسخ صوم رمضان كل صوم كان قبله. والمراد بهذا كل صدقة وجبت بوجود المال مرسلا كهذه الآية.
[ذكر الآية الثانية]
: قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا [البقرة: ٦٢] اختلف المفسرون في معنى هذه الآية على ثلاثة أقوال:
الأول: أن المعنى: إن الذين آمنوا من هذه الأمة، والذين هادوا، وهم أتباع
(١) انظر «صفوة الراسخ في علم المنسوخ والناسخ» لشمس الدين الموصلي (ص ٤٠).