فإن قال قائل: فكيف يسمى الجزاء اعتداء؟
فالجواب: إن صورة الفعلين واحدة وإن اختلف حكمهما، قال الزجّاج:
والعرب تقول: ظلمني فلان فظلمته: أي: جازيته بظلمه، وجهل عليّ فجهلت عليه، أي: جازيته بجهله.
قلت: فقد بان بما ذكرنا أن الآية محكمة ولا وجه لدخولها في المنسوخ أصلا.
[ذكر الآية العشرين]
: قوله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة: ١٩٦] اختلف المفسرون في المراد بإتمامها على خمسة أقوال:
الأول: أن يحرم بهما من دويرة أهله، قاله علي وسعيد بن جبير وطاوس.
والثاني: الإتيان بما مر الله به فيهما، قاله مجاهد.
والثالث: إفراد كل واحد عن الآخر، قاله الحسن وعطاء.
والرابع: أن لا يفسخهما بعد الشروع فيهما، رواه عطاء عن ابن عباس.
والخامس: أن يخرج قاصدا لهما لا يقصد شيئا آخر من تجارة أو غيرها، وهذا القول فيه بعد.
وقد ادّعى بعض العلماء على قائله أنه يزعم أن الآية نسخت بقوله تعالى:
لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ [البقرة: ١٩٨].
والصحيح في تفسير الآية ما قاله ابن عباس، وهو محمول على النهي عن فسخهما لغير عذر أو قصد صحيح، وليست هذه الآية بداخلة في المنسوخ أصلا.
[ذكر الآية الحادية والعشرين]
: قوله تعالى: وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ [البقرة: ١٩٦].
ذكر بعض المفسرين أن هذا الكلام اقتضى تحريم حلق الشعر، سواء وجد به أذى أو لم يوجد، ولم يزل الأمر على ذلك حتى رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كعب بن عجرة والقمل يتناثر على وجهه، فقال: «أتجد شاة؟» فقال: لا. فنزلت: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ (١) [البقرة: ١٩٦]. والمعنى:
فحلق ففدية.
(١) أخرجه البخاري (١٨١٤، ١٨١٨، ٤١٥٩، ٤١٩٠، ٤١٩١، ٤٥١٧، ٥٦٦٥) ومسلم (١٢٠١) وغيرهما.