واعلم: أن القول الصحيح المعتمد عليه أن هذه الآية كلها محكمة، لأن أولها عام في المطلقات، وما ورد في الحامل والآيسة والصغيرة فهو مخصوص من جملة العموم، وليس على سبيل النسخ. وأما الارتجاع فإن الرجعية زوجة، ولهذا قال: وَبُعُولَتُهُنَّ ثم بين الطلاق الذي يجوز منه الرجعة، فقال: الطَّلاقُ مَرَّتانِ [البقرة: ٢٢٩] إلى قوله: فَإِنْ طَلَّقَها يعني الثلاثة: فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ.
[ذكر الآية الثلاثين]
: قوله تعالى: الطَّلاقُ مَرَّتانِ قد زعم قوم: أن هذه الآية نسخت ما كانوا عليه، من أن أحدهم كان يطلق ما شاء.
[٦٠]- أخبرنا ابن ناصر، قال: بنا علي بن أيوب، قال: ابنا ابن شاذان، قال بنا أبو بكر النجاد، قال: بنا أبو داود السجستاني، قال: بنا أحمد بن محمد، قال: بنا علي بن الحسين، عن أبيه، عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان الرجل إذا طلّق امرأته فهو أحق برجعتها، وإن طلقها ثلاثا، فنسخ الله ذلك، فقال: الطَّلاقُ مَرَّتانِ الآية.
وروي عن سعيد، عن قتادة في قوله تعالى: الطَّلاقُ مَرَّتانِ قال: فنسخ هذا ما كان قبله وجعل الله حد الطلاق ثلاثا.
قلت: وهذا يجوز في الكلام يريدون به تغيير تلك الحال وإلا فالتحقيق أن هذا لا يقال فيه ناسخ ولا منسوخ، وإنما هو ابتداء شرع وإبطال لحكم العادة.
وزعم آخرون: أن هذه الآية لما اقتضت إباحة الطلاق على الإطلاق من غير تعيين زمان، نزل قوله: فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [الطلاق: ١] أي: من قبل عدّتهنّ وذلك أن تطلّق المرأة في زمان طهرها لتستقبل الاعتداد بالحيض.
وهذا قول من لا يفهم الناسخ والمنسوخ وإنما أطلق الطلاق في هذه الآية وبين في الأخرى كيف ينبغي أن يوقع. ثم إن الطلاق واقع، وإن طلقها في زمان الحيض، فعلم أنه تعليم أدب، والصحيح أن الآية محكمة.