وجوابا على هذا أقول: هذا الحديث يندرج تحت باب النسخ كما هو هنا في هذا الكتاب، وكما قال علماء أهل السنة قاطبة. انظر «المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم» للقرطبي (٣/ ٩٣ - ٩٤). حيث قال رحمه الله: «وهذا ضرب من النسخ؛ فإن النسخ على ما نقله علماؤنا على ثلاثة أضرب: أحدها: نسخ الحكم وبقاء التلاوة. والثاني: عكسه؛ وهو: نسخ التلاوة وبقاء الحكم. والثالث: نسخ الحكم والتلاوة؛ وهو كرفع هاتين السورتين اللتين ذكرهما أبو موسى، فإنهما رفع حكمهما وتلاوتهما. وهذا النحو من النسخ هو الذي ذكر الله تعالى حيث قال: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها [البقرة: ١٠٦] على قراءة من قرأ بضم النون وكسر السين. وكذلك قوله تعالى: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ [الأعلى: ٦، ٧]. وهاتان السورتان مما قد شاء الله تعالى أن ينسيه بعد أن أنزله وهذا لأن الله تعالى فعّال لما يريد، قادر على ما يشاء، إذ كل ذلك ممكن. ولا يتوهّم متوهّم من هذا وشبهه أن القرآن قد ضاع منه شيء؛ فإن ذلك باطل، بدليل قوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [الحجر: ٩] وبأن إجماع الصحابة ومن بعدهم انعقد على أن القرآن الذي تعبّدنا بتلاوته وبأحكامه هو ما ثبت بين دفّتي المصحف من غير زيادة ولا نقصان، كما قرّرناه في أصول الفقه» اه. وانظر «فتح الباري» للحافظ ابن حجر العسقلاني (١١/ ٢٦٢ - ٢٦٣) و «البرهان في علوم القرآن» للزركشي (٢/ ١٦٨). قلت: وممن قال بأن هذه الآية- أو هذا الحديث- يدخل في باب الناسخ والمنسوخ: ١ - أبو علي الطبرسي صاحب «مجمع البيان» حيث قال: «وقد جاءت أخبار كثيرة بأن أشياء كانت في القرآن، فنسخ تلاوتها، فمنها ما روي عن أبي موسى أنهم كانوا يقرءون: لو أن لابن آدم واديين من مال ... » «مجمع البيان» (١/ ٢٣٠) - ط. دار إحياء التراث-. ٢ - أبو جعفر الطوسي في تفسيره المسمى ب «التبيان في تفسير القرآن» حيث قال: «كانت أشياء من القرآن، ونسخت تلاوتها، ومنها: «لا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب» اه. «التبيان» (١/ ٣٩٤) - مكتب الإعلام الإسلامي- إيران. ٣ - كمال الدين العتائقي الحلي في «الناسخ والمنسوخ» ص ٣٤ - ط. مؤسسة آل البيت- بيروت- حيث قال: «ما نسخ خطه وحكمه، وهي: «لو أن لابن آدم واديين من فضة ... » اه. (١) إسناده ضعيف. والخبر صحيح بالشواهد.