إنَّ محبةَ المرءِ لأولادِه أمرٌ فِطرِيٌّ لا يُمكن دفعُه، وقد اجتمعَ لبناتِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أبوةٌ ونُبوَّةٌ، فلهُنَّ الرحمةُ الخاصةُ وهُو - صلى الله عليه وسلم - الرؤوف الرحيم بالمؤمنين، قال تعالى:{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}(التوبة، ١٢٨)
فلبناتِه المحبةُ والاحتفاءُ الخاصَّين، وتزدادُ المحبة والرحمةُ بأسباب شرعية وقدرية، فبنات النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصةً أم كلثوم وفاطمة، نشأوا أيتاماً أو شبه أيتامٍ من قبل الأم، وأصغرهن: فاطمة، ولم يكن لهما من قبل عماتهما وخالاتهما مَن يعطف عليهما، وتنشآن في حنانها، فلم يكن لهما ــ بعدَ اللَّهِ - عز وجل - ــ إلا والدُهما - صلى الله عليه وسلم -، ثم إنَّ المحبة تزداد لفاطمة بعد فقدها أخواتها كلها واحدة تلو الأخرى، فبقيت وحيدة مع والدِها - صلى الله عليه وسلم - وزوجِها من شهر شعبان سنة (٩ هـ) إلى وفاته - صلى الله عليه وسلم - في شهر ربيع الأول (١١ هـ).
قبل تلك الفترة، لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يفرِّق بين بناته في المحبة والاحتفاء، فهو - صلى الله عليه وسلم - أتقى الناس لربِّه، وأعدَلُهم، وقد أمرَ بالعدل بين الأولاد ــ وسبق بيان ذلك ــ.
فالأحاديثُ الدالَّةُ على اختصاصِ فاطمةَ بشَيءٍ مِن المحبَّةِ والاحتفاءِ والفضلِ إنما وردَتْ بعدَ وفاةِ أخواتِها، وتفرُّدِها عنهم، وذلك بعد (شعبان ٩ هـ).