للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّوْع الثَّانِي وَهُوَ أَن التَّرَخُّص بِاعْتِبَار عذر للعباد فَكَانَ معنى الرُّخْصَة فِيهِ حَقِيقَة من وَجه دون وَجه

وَبَيَان هَذَا النَّوْع فِي فُصُول مِنْهَا السّلم فَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى عَن بيع مَا لَيْسَ عِنْد الْإِنْسَان وَرخّص فِي السّلم وَالسّلم نوع بيع وَاشْتِرَاط العينية فِي الْمَبِيع الْمَشْرُوع قَائِم فِي الْجُمْلَة ثمَّ سقط هَذَا الشَّرْط فِي السّلم أصلا حَتَّى كَانَت العينية فِي الْمُسلم فِيهِ مفْسدَة للْعقد لَا مصححة وَكَانَ سُقُوط هَذَا الشَّرْط للتيسير على المحتاجين حَتَّى يتوصلوا إِلَى مقصودهم من الْأَثْمَان قبل إِدْرَاك غلاتهم ويتوصل صَاحب الدَّرَاهِم إِلَى مَقْصُوده من الرِّبْح فَكَانَت رخصَة من حَيْثُ إِخْرَاج السَّبَب من أَن يكون مُوجبا اعْتِبَار العينية فِيهِ مَعَ بَقَاء هَذَا النَّوْع من السَّبَب مُوجبا لَهُ فِي الْجُمْلَة

وَكَذَلِكَ الْمسْح على الْخُفَّيْنِ رخصَة مَشْرُوعَة لليسر على معنى أَن استتار الْقدَم بالخف يمْنَع سرَايَة الْحَدث إِلَى الْقدَم لَا على معنى أَن الْوَاجِب من غسل الرجل يتَأَدَّى بِالْمَسْحِ وَلِهَذَا يشْتَرط أَن يكون اللّبْس على طَهَارَة فِي الرجلَيْن وَأَن يكون أول الْحَدث بعد اللّبْس طارئا على طَهَارَة كَامِلَة وَلَو نزع الْخُف بعد الْمسْح يلْزمه غسل رجلَيْهِ فَعرفنَا أَن التَّيْسِير من حَيْثُ إِخْرَاج السَّبَب الْمُوجب للْحَدَث من أَن يكون عَاملا فِي الرجل مَا دَامَ مستترا بالخف وَتقدم الْخُف على الرجل فِي قبُول حكم الْحَدث مَا لم يخلعهما مَعَ بَقَاء أصل السَّبَب فِي الْجُمْلَة

وَكَذَلِكَ الزِّيَادَة فِي مُدَّة الْمسْح للْمُسَافِر فَإِنَّهُ رخصَة من حَيْثُ إِن السَّبَب لم يبْق فِي حَقه مُوجبا غسل الرجل بعد مُضِيّ يَوْم وَلَيْلَة مَا لم ينْزع الْخُف وعَلى هَذَا مَا ذكر فِي كتاب الْإِكْرَاه أَن من اضْطر إِلَى تنَاول الْميتَة أَو شرب الْخمر لخوف الْهَلَاك على نَفسه من الْجُوع أَو الْعَطش أَو للإكراه فَإِنَّهُ لَا يَسعهُ الِامْتِنَاع من ذَلِك وَلَو امْتنع حَتَّى مَاتَ كَانَ آثِما لِأَن السَّبَب غير مُوجب للْحكم عِنْد الضَّرُورَة للاستثناء الْمَذْكُور فِي قَوْله تَعَالَى {إِلَّا مَا اضطررتم إِلَيْهِ} فالمستثنى لَا يتَنَاوَلهُ الْكَلَام مُوجبا لحكمه وَلَكِن السَّبَب بِهَذَا الِاسْتِثْنَاء لم يَنْعَدِم أصلا فَكَانَت الرُّخْصَة ثَابِتَة بِاعْتِبَار عذر العَبْد خرج بِهِ السَّبَب من أَن يكون مُوجبا للْحكم فِي حَقه ويلتحق الْحَرَام فِي هَذِه الْحَالة فِي حَقه بالحلال لما انْعَدم سَبَب الْحُرْمَة فِي حَقه وَمن امْتنع من تنَاول الْحَلَال حَتَّى يتْلف نَفسه يكون آثِما يُوضحهُ أَن سَبَب الْحُرْمَة

<<  <  ج: ص:  >  >>