فصل فِي بَيَان أَن إِجْمَاع هَذِه الْأمة مُوجب للْعلم
قَالَ رَضِي الله عَنهُ اعْلَم أَن إِجْمَاع هَذِه الْأمة مُوجب للْعلم قطعا كَرَامَة لَهُم على الدّين لَا لانْقِطَاع توهم اجْتِمَاعهم على الضلال بِمَعْنى مَعْقُول فاليهود وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس أَكثر منا عددا وَقد وجد مِنْهُم الْإِجْمَاع على الضَّلَالَة وَلِأَن الِاتِّفَاق قد يتَحَقَّق من الْخلف على وَجه الْمُتَابَعَة للآباء من غير حجَّة كَمَا أخبر الله تَعَالَى عَن الْكَفَرَة بقوله تَعَالَى {إِنَّا وجدنَا آبَاءَنَا على أمة} وَقَالَ تَعَالَى {اتَّخذُوا أَحْبَارهم وَرُهْبَانهمْ أَرْبَابًا من دون الله} فَعرفنَا أَنه إِنَّمَا جعل اجْتِمَاع هَذِه الْأمة حجَّة شرعا كَرَامَة لَهُم على الدّين
وَقَالَ النظام وَقوم من الإمامية لَا يكون الْإِجْمَاع حجَّة مُوجبَة للْعلم بِحَال لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا اجْتِمَاع الْأَفْرَاد وَإِذا كَانَ قَول كل فَرد غير مُوجب للْعلم لكَونه غير مَعْصُوم عَن الْخَطَأ فَكَذَلِك أقاويلهم بَعْدَمَا اجْتَمعُوا لِأَن توهم الْخَطَأ لَا يَنْعَدِم بالاجتماع أَلا ترى أَن كل وَاحِد مِنْهُم لما كَانَ إنْسَانا قبل الِاجْتِمَاع فَبعد الِاجْتِمَاع هم نَاس وكل وَاحِد من القادرين حَالَة الِانْفِرَاد لَا يصير عَاجِزا بعد الِاجْتِمَاع وكل وَاحِد من العميان عِنْد الِانْفِرَاد لَا يصير بَصيرًا بالاجتماع وَلَا تصير جُمْلَتهمْ أَيْضا بِهَذِهِ الصّفة بعد الِاجْتِمَاع
وَهَذَا الْكَلَام ظَاهر التَّنَاقُض وَالْفساد فقد ثَبت بالاجتماع مَا لَا يكون ثَابتا عِنْد الِانْفِرَاد فِي المحسوسات والمشروعات فَإِن الْأَفْرَاد لَا يقدرُونَ على حمل خَشَبَة ثَقيلَة وَإِذا اجْتَمعُوا قدرُوا على ذَلِك واللقمة الْوَاحِدَة من الطَّعَام والقطرة من المَاء لَا تكون مشبعة وَلَا مروية ثمَّ عِنْد الِاجْتِمَاع تصير مشبعة ومروية وَهَذَا لِأَن بالاجتماع يحدث مَا لم يكن عِنْد الِانْفِرَاد وَهُوَ الدَّلِيل الْجَامِع لَهُم على