للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاتَّفَقُوا أَنه لَو قَالَ لفُلَان عَليّ مائَة وَثَلَاثَة دَرَاهِم أَنه تلْزمهُ الْكل من الدَّرَاهِم

وَكَذَلِكَ لَو قَالَ مائَة وَثَلَاثَة أَثوَاب أَو ثَلَاثَة أَفْرَاس أَو ثَلَاثَة أعبد لِأَنَّهُ عطف إِحْدَى الجملتين على الْأُخْرَى ثمَّ عقبهما بتفسير والعطف للاشتراك بَين الْمَعْطُوف والمعطوف عَلَيْهِ فالتفسير الْمَذْكُور يكون تَفْسِيرا لَهما

وَكَذَلِكَ لَو قَالَ لَهُ عَليّ أحد وَعِشْرُونَ درهما فَالْكل دَرَاهِم لِأَنَّهُ عطف الْعدَد الْمُبْهم على مَا هُوَ وَاحِد مَذْكُور على وَجه الْإِبْهَام وَقَوله درهما مَذْكُور على وَجه التَّفْسِير فَيكون تَفْسِيرا لَهما وَالِاخْتِلَاف فِي قَوْله لَهُ مائَة ودرهمان كالاختلاف فِي قَوْله وَدِرْهَم

وَقد رُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَنه إِذا قَالَ لَهُ عَليّ مائَة وثوب أَو مائَة وشَاة فالمعطوف يكون تَفْسِيرا للمعطوف عَلَيْهِ بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ مائَة وَعبد لِأَن فِي قَوْله مائَة وَدِرْهَم إِنَّمَا جَعَلْنَاهُ تَفْسِيرا بِاعْتِبَار أَن الْمَعْطُوف والمعطوف عَلَيْهِ كشيء وَاحِد وَهَذَا يتَحَقَّق فِي كل مَا يحْتَمل الْقِسْمَة فَإِن معنى الِاتِّحَاد بالْعَطْف فِي مثله يتَحَقَّق فَأَما مَا لَا يحْتَمل الْقِسْمَة مُطلقًا كَالْعَبْدِ لَا يتَحَقَّق فِيهِ معنى الِاتِّحَاد بِسَبَب الْعَطف فَلَا يصير الْمُجْمل بالمعطوف فِيهِ مُفَسرًا وَالله أعلم

بَاب النّسخ جَوَازًا وتفسيرا

قَالَ رَضِي الله عَنهُ اعْلَم بِأَن النَّاس تكلمُوا فِي معنى النّسخ لُغَة فَقَالَ بَعضهم هُوَ عبارَة عَن النَّقْل من قَول الْقَائِل نسخت الْكتاب إِذا نَقله من مَوضِع إِلَى مَوضِع

وَقَالَ بَعضهم هُوَ عبارَة عَن الْإِبْطَال من قَوْلهم نسخت الشَّمْس الظل أَي أبطلته

وَقَالَ بَعضهم هُوَ عبارَة عَن الْإِزَالَة من قَوْلهم نسخت الرِّيَاح الْآثَار أَي أزالتها

وكل ذَلِك مجَاز لَا حَقِيقَة فَإِن حَقِيقَة النَّقْل أَن تحول عين الشَّيْء من مَوضِع إِلَى مَوضِع آخر وَنسخ الْكتاب لَا يكون بِهَذِهِ الصّفة إِذْ لَا يتَصَوَّر نقل عين الْمَكْتُوب من مَوضِع إِلَى مَوضِع آخر وَإِنَّمَا يتَصَوَّر إِثْبَات مثله فِي الْمحل الآخر

وَكَذَلِكَ فِي الْأَحْكَام فَإِنَّهُ لَا يتَصَوَّر نقل الحكم الَّذِي هُوَ مَنْسُوخ إِلَى ناسخه وَإِنَّمَا المُرَاد إِثْبَات مثله مَشْرُوعا فِي الْمُسْتَقْبل أَو نقل المتعبد من الحكم الأول إِلَى الحكم الثَّانِي

وَكَذَلِكَ معنى الْإِزَالَة فَإِن إِزَالَة الْحجر عَن مَكَانَهُ لَا يعْدم عينه وَلَكِن عينه بَاقٍ فِي الْمَكَان الثَّانِي وَبعد النّسخ لَا يبْقى الحكم الأول وَلَو كَانَ حَقِيقَة النّسخ الْإِزَالَة لَكَانَ يُطلق هَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>