للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل فِي بَيَان تَقْسِيم الْعَلامَة

الْعَلامَة أَنْوَاع أَرْبَعَة عَلامَة هِيَ دلَالَة الْوُجُود فِيمَا كَانَ مَوْجُودا قبله

وَمِنْه علم الثَّوْب وَمِنْه علم الْعَسْكَر وَهَذَا حد الْعَلامَة الْمَحْضَة

وعلامة هِيَ بِمَعْنى الشَّرْط وَذَلِكَ الْإِحْصَان فِي حكم الرَّجْم كَمَا بَينا

وعلامة هِيَ عِلّة فقد بَينا أَن الْعِلَل الشَّرْعِيَّة بِمَنْزِلَة العلامات للْأَحْكَام فَإِنَّهَا غير مُوجبَة بذواتها شَيْئا بل بِجعْل الشَّرْع إِيَّاهَا مُوجبَة وعلامة تَسْمِيَة ومجازا وَهِي علل الْحَقَائِق الْمُعْتَبرَة بذواتها على مَا نبينها فِي موضعهَا

وَقد جعل الشَّافِعِي عجز الْقَاذِف عَن إِقَامَة أَرْبَعَة من الشُّهَدَاء عَلامَة لبُطْلَان شَهَادَة الْقَاذِف لَا شرطا حَتَّى قَالَ الْقَذْف مُبْطل شَهَادَته قبل ظُهُور عَجزه عَن إِقَامَة الشُّهُود ثمَّ ظُهُور الْعَجز يعرف لنا هَذَا الحكم فَكَانَ عَلامَة بِخِلَاف الْجلد فَإِنَّهُ فعل يُقَام على الْقَاذِف فَكَانَ الْعَجز فِيهِ شرطا لِأَن إِقَامَة الْحَد يصير مُضَافا إِلَيْهِ وجودا عِنْده فَأَما سُقُوط شَهَادَته أَمر حكمي فَيثبت بِنَفس الْقَذْف لِأَنَّهُ كَبِيرَة لما فِيهِ من إِشَاعَة الْفَاحِشَة وهتك ستر الْعِفَّة على الْمُسلم فَالْأَصْل فِي النَّاس هُوَ الْعِفَّة عَن الزِّنَا والتمسك بِالْأَصْلِ وَاجِب حَتَّى يتَبَيَّن خِلَافه وَبِاعْتِبَار هَذَا الأَصْل كَانَ الْقَذْف كَبِيرَة فَيكون بِمَنْزِلَة سَائِر الْكَبَائِر فِي ثُبُوت سمة الْفسق وَسُقُوط الشَّهَادَة بِنَفسِهَا

وَلَكنَّا نقُول الْعَجز عَن إِقَامَة أَرْبَعَة من الشُّهَدَاء شَرط لإِقَامَة الْجلد ولإبطال شَهَادَة الْقَاذِف وَالْحكم الْمُعَلق بِالشّرطِ لَا يكون ثَابتا قبل وجود الشَّرْط وَهَذَا لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا فعل خُوطِبَ الإِمَام بإقامته على الْقَاذِف وَأَحَدهمَا مَعْطُوف على الآخر كَمَا قَالَ تَعَالَى {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جلدَة وَلَا تقبلُوا لَهُم شَهَادَة أبدا} ثمَّ هَذَا الْعَجز الَّذِي هُوَ شَرط يثبت بِمَا ثَبت بِهِ الْعَجز عَن دفع سَائِر الْحجَج فِي إِلْزَام الحكم بهَا وَذَلِكَ بِأَن يمهله على قدر مَا يرى إِلَى آخر الْمجْلس أَو إِلَى الْمجْلس الثَّانِي وَالَّذِي قَالَ الْقَذْف كَبِيرَة قُلْنَا هَذِه الصّفة للقذف غير ثَابت بِنَفسِهِ مُسْتَحقّا شرعا بِدَلِيل أَنه يتَمَكَّن من إثْبَاته بِالْبَيِّنَةِ وَهُوَ فِي نَفسه خبر متميل بَين الصدْق

<<  <  ج: ص:  >  >>