الْبدن الْبدن فَإِن الْحَج مَا كَانَ لَازِما قبل نزُول قَوْله تَعَالَى {وَللَّه على النَّاس حج الْبَيْت} وَكَانَ كل مُسلم مَنْدُوبًا إِلَى أَدَائِهِ ثمَّ صَار الْأَدَاء لَازِما بِهَذِهِ الْآيَة وَهَذَا أشق على الْبدن يُوضحهُ أَن ترك الْخُرُوج لِلْحَجِّ يكون أخف على الْبدن من الْخُرُوج وَلَا إِشْكَال أَن الْخُرُوج إِلَى أَدَاء الْحَج بعد التَّمَكُّن خير من التّرْك
فَبِهَذَا يتَبَيَّن ضعف استدلالهم
فصل فِي بَيَان شَرط النّسخ
قَالَ رَضِي الله عَنهُ اعْلَم بِأَن شَرط جَوَاز النّسخ عندنَا هُوَ التَّمَكُّن من عقد الْقلب فَأَما الْفِعْل أَو التَّمَكُّن من الْفِعْل فَلَيْسَ بِشَرْط وعَلى قَول الْمُعْتَزلَة التَّمَكُّن من الْفِعْل شَرط
وَحَاصِل الْمَسْأَلَة أَن النّسخ بَيَان لمُدَّة عقد الْقلب وَالْعَمَل بِالْبدنِ تَارَة ولأحدهما وَهُوَ عقد الْقلب على الحكم تَارَة فَكَانَ عقد الْقلب هُوَ الحكم الْأَصْلِيّ فِيهِ وَالْعَمَل بِالْبدنِ زِيَادَة يجوز أَن يكون النّسخ بَيَانا للمدة فِيهِ وَيجوز أَن لَا يكون عندنَا
وعَلى قَوْلهم النّسخ يكون بَيَانا لمُدَّة الحكم فِي حق الْعَمَل بِهِ وَذَلِكَ لَا يتَحَقَّق إِلَّا بعد الْفِعْل أَو التَّمَكُّن مِنْهُ حكما لِأَن التّرْك بعد التَّمَكُّن فِيهِ تَفْرِيط من العَبْد فَلَا يَنْعَدِم بِهِ معنى بَيَان مُدَّة الْعَمَل بالنسخ
وَتَحْقِيق معنى الِابْتِلَاء فِي الْفِعْل أَيْضا فَعرفنَا أَنه هُوَ الْمَقْصُود والنسخ قبل التَّمَكُّن من الْفِعْل لَا يكون إِلَّا بطرِيق البداء أَلا ترى أَن الْإِنْسَان يَقُول قد أمرت عَبدِي أَن يفعل غَدا كَذَا ثمَّ بدا لي فنهيته عَنهُ
وَهَذَا لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَنْتَهِي عَمَّا أَمر بِفِعْلِهِ قبل التَّمَكُّن من الْفِعْل بِأَن يظْهر لَهُ من حَال الْمَأْمُور بِهِ مَا لم يكن مَعْلُوما حِين يَأْمُرهُ بِهِ لعلمنا أَنه بِالْأَمر إِنَّمَا طلب من الْمَأْمُور إِيجَاد الْفِعْل بعد التَّمَكُّن مِنْهُ لَا قبله إِذْ التَّكْلِيف لَا يكون إِلَّا بِحَسب الوسع والبداء على الله تَعَالَى لَا يجوز يقرره أَن القَوْل بِجَوَاز النّسخ قبل التَّمَكُّن يُؤَدِّي إِلَى أَن يكون الشَّيْء الْوَاحِد حسنا وقبيحا فِي وَقت وَاحِد لِأَن الْأَمر دَلِيل على حسن فعل الْمَأْمُور بِهِ عِنْد الْإِمْكَان وَالنَّهْي قبل التَّمَكُّن