للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل الْقلب وَالْعَكْس

قَالَ رَضِي الله عَنهُ تَفْسِير الْقلب لُغَة جعل أَعلَى الشَّيْء أَسْفَله وأسفله أَعْلَاهُ

من قَول الْقَائِل قلبت الْإِنَاء إِذا نكسه أَو هُوَ جعل بطن الشَّيْء ظهرا وَالظّهْر بَطنا

من قَول الْقَائِل قلبت الجراب إِذا جعل بَاطِنه ظَاهرا وَظَاهره بَاطِنا وقلبت الْأَمر إِذا جعله ظهرا لبطن

وقلب الْعلَّة على هذَيْن الْوَجْهَيْنِ

وَهُوَ نَوْعَانِ أَحدهمَا جعل الْمَعْلُول عِلّة وَالْعلَّة معلولا وَهَذَا مُبْطل لِلْعِلَّةِ لِأَن الْعلَّة هِيَ الْمُوجبَة شرعا والمعلول هُوَ الحكم الْوَاجِب بِهِ فَيكون فرعا وتبعا لِلْعِلَّةِ وَإِذا جعل التبع أصلا وَالْأَصْل تبعا كَانَ ذَلِك دَلِيل بطلَان الْعلَّة

وَبَيَانه فِيمَا قَالَ الشَّافِعِي فِي الذِّمِّيّ إِنَّه يجب عَلَيْهِ الرَّجْم لِأَنَّهُ من جنس من يجلد بكره مائَة فيرجم ثيبه كَالْمُسلمِ

فيقلب عَلَيْهِ فَنَقُول فِي الأَصْل إِنَّمَا يجلد بكره لِأَنَّهُ يرْجم ثيبه فَيكون ذَلِك قلبا مُبْطلًا لعلته بِاعْتِبَار أَن مَا جعل فرعا صَار أصلا وَمَا جعله أصلا صَار تبعا

وَكَذَلِكَ قَوْله الْقِرَاءَة ركن يتَكَرَّر فرضا فِي الْأَوليين فيتكرر أَيْضا فرضا فِي الْأُخْرَيَيْنِ كالركوع

وَهَذَا النَّوْع من الْقلب إِنَّمَا يَتَأَتَّى عِنْد التَّعْلِيل بِحكم لحكم فَأَما إِذا كَانَ التَّعْلِيل بِوَصْف لَا يرد عَلَيْهِ هَذَا الْقلب إِذْ الْوَصْف لَا يكون حكما شَرْعِيًّا يثبت بِحكم آخر

وَطَرِيق المخلص عَن هَذَا الْقلب أَن لَا يذكر هَذَا على سَبِيل التَّعْلِيل بل على سَبِيل الِاسْتِدْلَال بِأحد الْحكمَيْنِ على الآخر فَإِن الِاسْتِدْلَال بِحكم على حكم طَرِيق السّلف فِي الْحَوَادِث روينَا ذَلِك عَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام وَعَن الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم وَلَكِن شَرط هَذَا الِاسْتِدْلَال أَن يثبت أَنَّهُمَا نظيران متساويان فَيدل كل وَاحِد مِنْهُمَا على صَاحبه هَذَا على ذَاك فِي حَال وَذَاكَ على هَذَا فِي حَال بِمَنْزِلَة التوأم فَإِنَّهُ يثبت حريَّة الأَصْل لأَحَدهمَا أَيهمَا كَانَ بِثُبُوتِهِ للْآخر وَيثبت الرّقّ فِي أَيهمَا كَانَ بِثُبُوتِهِ للْآخر وَذَلِكَ نَحْو مَا يَقُوله عُلَمَاؤُنَا رَحِمهم الله

وَبَيَانه فِيمَا قَالَ عُلَمَاؤُنَا إِن الصَّوْم عبَادَة تلْزم بِالنذرِ فتلزم بِالشُّرُوعِ كَالْحَجِّ فَلَا يَسْتَقِيم قلبهم علينا لِأَن الْحَج إِنَّمَا يلْزم بِالنذرِ لِأَنَّهُ يلْزم بِالشُّرُوعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>