للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِن قيل أَلَيْسَ أَنه لَو قذف رجل رجلا بِالزِّنَا فَقَالَ آخر هُوَ كَمَا قلت فَإِن الثَّانِي يسْتَوْجب الْحَد وَهَذَا تَعْرِيض مُحْتَمل أَيْضا قُلْنَا نعم وَلَكِن كَاف التَّشْبِيه توجب الْعُمُوم عندنَا فِي الْمحل الَّذِي يحْتَملهُ وَلِهَذَا قُلْنَا فِي قَول عَليّ رَضِي الله عَنهُ إِنَّمَا أعطيناهم الذِّمَّة وبدلوا الْجِزْيَة لتَكون دِمَاؤُهُمْ كدمائنا وَأَمْوَالهمْ كأموالنا إِنَّه مجْرى على الْعُمُوم فِيمَا يندرىء بِالشُّبُهَاتِ وَمَا يثبت مَعَ الشُّبُهَات فَهَذَا الْكَاف أَيْضا مُوجبه الْعُمُوم لِأَنَّهُ حصل فِي مَحل يحْتَملهُ فَيكون نسبته إِلَى الزِّنَا قطعا بِمَنْزِلَة كَلَام الأول على مَا هُوَ مُوجب الْعَام عندنَا

فصل فِي بَيَان جملَة مَا تتْرك بِهِ الْحَقِيقَة

وَهِي خَمْسَة أَنْوَاع أَحدهَا دلَالَة الِاسْتِعْمَال عرفا وَالثَّانِي دلَالَة اللَّفْظ

وَالثَّالِث سِيَاق النّظم وَالرَّابِع دلَالَة من وصف الْمُتَكَلّم وَالْخَامِس من مَحل الْكَلَام

فَأَما الأول فَنَقُول تتْرك الْحَقِيقَة بِدلَالَة الِاسْتِعْمَال عرفا لِأَن الْكَلَام مَوْضُوع للإفهام وَالْمَطْلُوب بِهِ مَا تسبق إِلَيْهِ الأوهام فَإِذا تعارف النَّاس اسْتِعْمَاله لشَيْء عينا كَانَ ذَلِك بِحكم الِاسْتِعْمَال كالحقيقة فِيهِ وَمَا سوى ذَلِك لِانْعِدَامِ الْعرف كالمهجور لَا يتَنَاوَلهُ إِلَّا بِقَرِينَة أَلا ترى أَن اسْم الدَّرَاهِم عِنْد الْإِطْلَاق يتَنَاوَل نقد الْبَلَد لوُجُود الْعرف الظَّاهِر فِي التَّعَامُل بِهِ وَلَا يتَنَاوَل غَيره إِلَّا بِقَرِينَة لترك التَّعَامُل بِهِ ظَاهرا فِي ذَلِك الْموضع وَإِن لم يكن بَين النَّوْعَيْنِ فرق فِيمَا وضع الِاسْم لَهُ حَقِيقَة

وَبَيَان هَذَا فِي اسْم الصَّلَاة فَإِنَّهَا للدُّعَاء حَقِيقَة قَالَ الْقَائِل وَصلي على دنها وارتسم وَهِي مجَاز لِلْعِبَادَةِ الْمَشْرُوعَة بأركانها سميت بِهِ لِأَنَّهَا شرعت للذّكر قَالَ تَعَالَى {وأقم الصَّلَاة لذكري} وَفِي الدُّعَاء ذكر وَإِن كَانَ يشوبه سُؤال ثمَّ عِنْد الْإِطْلَاق ينْصَرف إِلَى الْعِبَادَة الْمَعْلُومَة بأركانها سَوَاء كَانَ فِيهَا دُعَاء أَو لم يكن كَصَلَاة الْأَخْرَس وَإِنَّمَا تركت الْحَقِيقَة للاستعمال عرفا

وَكَذَلِكَ الْحَج فَإِن اللَّفْظ للقصد

<<  <  ج: ص:  >  >>