للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِن دَرَجَة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين فَوق دَرَجَة غَيرهم فِي الْفَضِيلَة وَلم يدل ذَلِك على أَن الْإِجْمَاع الَّذِي هُوَ حجَّة يثبت بِدُونِ قَوْلهم وكما أَمر رَسُول الله بالاقتداء بالصحابة فقد أَمر بالاقتداء بالخلفاء الرَّاشِدين لسَائِر الصَّحَابَة بقوله عَلَيْهِ السَّلَام عَلَيْكُم بِسنتي وَسنة الْخُلَفَاء من بعدِي وَأمر بالاقتداء بِأبي بكر وَعمر بقوله عَلَيْهِ السَّلَام اقتدوا باللذين من بعدِي أبي بكر وَعمر ثمَّ هَذَا لَا يدل على أَن إِجْمَاعهم يكون حجَّة قَاطِعَة مَعَ خلاف سَائِر الصَّحَابَة

فصل فِي حُدُوث الْخلاف بعد الْإِجْمَاع بِاعْتِبَار معنى حَادث

فمذهب عُلَمَائِنَا أَن الِاتِّفَاق مَتى حصل فِي شَيْء على حكم ثمَّ حدث فِيهِ معنى اخْتلفُوا لأَجله فِي حكمه فالإجماع الْمُتَقَدّم لَا يكون حجَّة فِيهِ

وَقَالَ بعض الْعلمَاء ذَلِك الْإِجْمَاع حجَّة فِيهِ يجب التَّمَسُّك بِهِ حَتَّى يُوجد إِجْمَاع آخر بِخِلَافِهِ

وَبَيَان هَذَا فِي المَاء الَّذِي وَقع فِيهِ نَجَاسَة وَلم يتَغَيَّر أحد أَوْصَافه فَإِن الْإِجْمَاع الَّذِي كَانَ على طَهَارَته قبل وُقُوع النَّجَاسَة فِيهِ لَا يكون حجَّة لإِثْبَات صفة الطَّهَارَة فِيهِ بعد وُقُوع النَّجَاسَة فِيهِ لَا يكون حجَّة لإِثْبَات صفة الطَّهَارَة فِيهِ بعد وُقُوع النَّجَاسَة فِيهِ وَعند بَعضهم يكون حجَّة

وَكَذَلِكَ الْمُتَيَمم إِذا أبْصر المَاء فِي خلال الصَّلَاة فالإجماع المنعقد على صِحَة شُرُوعه فِي الصَّلَاة قبل أَن يبصر المَاء لَا يكون حجَّة لبَقَاء صلَاته بَعْدَمَا أبْصر المَاء وَعند بَعضهم يكون حجَّة

وَكَذَلِكَ بيع أم الْوَلَد فالإجماع المنعقد على جَوَاز بيعهَا قبل الِاسْتِيلَاد لَا يكون حجَّة لجَوَاز بيعهَا بعد الِاسْتِيلَاد عندنَا وَعند بَعضهم يكون حجَّة

وَيَقُولُونَ قد انْعَقَد الْإِجْمَاع على حكم فِي هَذَا الْعين فَنحْن على مَا كُنَّا عَلَيْهِ من الْإِجْمَاع حَتَّى ينْعَقد إِجْمَاع آخر لَهُ لِأَن الشَّيْء لَا يرفعهُ مَا هُوَ دونه وَلَا شكّ أَن الْخلاف دون الْإِجْمَاع يُوضحهُ أَن التَّمَسُّك بِالْيَقِينِ وَترك الْمَشْكُوك فِيهِ أصل فِي الشَّرْع فَإِن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام أَمر الشاك فِي الْحَدث بِأَن لَا ينْصَرف من صلَاته حَتَّى يستيقن بِالْحَدَثِ لِأَنَّهُ على يَقِين من الطَّهَارَة وَهُوَ فِي شكّ من الْحَدث

وَكَذَلِكَ أَمر الشاك فِي الصَّلَاة بِأَن يَأْخُذ بِالْأَقَلِّ لكَونه متيقنا بِهِ

وَكَذَلِكَ فِي الْأَحْكَام نقُول الْيَقِين لَا يزَال بِالشَّكِّ حَتَّى إِذا شكّ فِي طَلَاق امْرَأَته لم يَقع الطَّلَاق عَلَيْهَا

وَكَذَلِكَ الْإِقْرَار بِالْمَالِ لَا يثبت مَعَ الشَّك لِأَن بَرَاءَة الذِّمَّة يَقِين بِاعْتِبَار الأَصْل

<<  <  ج: ص:  >  >>