وَلَا خلاف أَنهم مخاطبون بالمشروع من الْعُقُوبَات وَلِهَذَا تُقَام على أهل الذِّمَّة عِنْد تقرر أَسبَابهَا لِأَنَّهَا تُقَام بطرِيق الخزي والعقوبة لتَكون زاجرة عَن الْإِقْدَام على أَسبَابهَا وباعتقاد حُرْمَة السَّبَب يتَحَقَّق ذَلِك وَلَا تنعدم الْأَهْلِيَّة لإِقَامَة ذَلِك عَلَيْهِ بطريقه بل هُوَ جَزَاء وعقوبة فبالكفار أليق مِنْهُ بِالْمُؤْمِنِينَ
وَلَا خلاف أَن الْخطاب بالمعاملات يتناولهم أَيْضا لِأَن الْمَطْلُوب بهَا معنى دُنْيَوِيّ وَذَلِكَ بهم أليق فقد آثروا الدُّنْيَا على الْآخِرَة وَلِأَنَّهُم ملتزمون لذَلِك فعقد الذِّمَّة يقْصد بِهِ الْتِزَام أَحْكَام الْمُسلمين فِيمَا يرجع إِلَى الْمُعَامَلَات فَيثبت حكم الْخطاب بهَا فِي حَقهم كَمَا يثبت فِي حق الْمُسلمين لوُجُود الِالْتِزَام إِلَّا فِيمَا يعلم لقِيَام الدَّلِيل أَنهم غير ملتزمين لَهُ
وَلَا خلاف أَن الْخطاب بالشرائع يتناولهم فِي حكم الْمُؤَاخَذَة فِي الْآخِرَة لِأَن مُوجب الْأَمر اعْتِقَاد اللُّزُوم وَالْأَدَاء وهم يُنكرُونَ اللُّزُوم اعتقادا وَذَلِكَ كفر مِنْهُم بِمَنْزِلَة إِنْكَار التَّوْحِيد فَإِن صِحَة التَّصْدِيق وَالْإِقْرَار بِالتَّوْحِيدِ لَا يكون مَعَ إِنْكَار شَيْء من الشَّرَائِع
وَقَالَ مُحَمَّد رَحمَه الله فِي السّير الْكَبِير من أنكر شَيْئا من الشَّرَائِع فقد أبطل قَول لَا إِلَه إِلَّا الله فقد ذكر بعض من لَا يعْتَمد على قَوْله من أهل زَمَاننَا فِي تصنيف لَهُ أَن الْمُسلم إِذا أنكر شَيْئا من الشَّرَائِع فَهُوَ كَافِر فِيمَا أنكرهُ مُؤمن فِيمَا سوى ذَلِك وَهُوَ شبه الْمحَال من الْكَلَام يبتلى ذَلِك هُوَ مُخَالف للرواية المنصوصة عَن الْمُتَقَدِّمين من أَصْحَابنَا رَحِمهم الله فَإِذا ثَبت أَنه ترك ذَلِك استحلالا وجحودا يكون كفرا مِنْهُ ظهر أَنه معاقب عَلَيْهِ فِي الْآخِرَة كَمَا هُوَ معاقب على أصل الْكفْر وَهُوَ المُرَاد بقوله تَعَالَى {وويل للْمُشْرِكين الَّذين لَا يُؤْتونَ الزَّكَاة} أَي لَا يقرونَ بهَا وَقَالَ تَعَالَى الْمَرْء بِمثلِهِ لقلَّة التَّأَمُّل