النِّسَاء مَعَ الرِّجَال يكون تعليلا بِعَدَمِ الْوَصْف وَعدم الْوَصْف لَا يعْدم الحكم لجَوَاز أَن يكون الحكم ثَابتا بِاعْتِبَار وصف آخر لِأَنَّهُ وَإِن لم يكن مَالا فَهُوَ من جنس مَا يثبت مَعَ الشُّبُهَات وَالْأَصْل الْمُتَّفق عَلَيْهِ الْحُدُود وَالْقصاص وَبِهَذَا الْوَصْف لَا يصير النِّكَاح بِمَنْزِلَة الْحُدُود وَالْقصاص حَتَّى يثبت مَعَ الشُّبُهَات بِخِلَاف الْحُدُود وَالْقصاص فَعرفنَا أَن بِعَدَمِ هَذَا الْوَصْف لَا يَنْعَدِم وصف آخر يصلح التَّعْلِيل بِهِ لإثباته بِشَهَادَة النِّسَاء مَعَ الرِّجَال
وَكَذَلِكَ مَا علل بِهِ من أَخَوَات هَذَا الْفَصْل فَهُوَ يخرج على هَذَا الْحَرْف إِذا تَأَمَّلت
[فصل]
وَمن هَذَا النَّوْع الِاحْتِجَاج بِأَن الْأَوْصَاف محصورة عِنْد القائسين
فَإِذا قَامَت الدّلَالَة على فَسَاد سَائِر الْأَوْصَاف إِلَّا وَصفا وَاحِدًا تثبت بِهِ صِحَة ذَلِك الْوَصْف وَيكون حجَّة
هَذَا طَرِيق بعض أَصْحَاب الطَّرْد
وَقد جوز الْجَصَّاص رَحمَه الله تَصْحِيح الْوَصْف لِلْعِلَّةِ بِهَذَا الطَّرِيق
قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله وَقد كَانَ بعض أصدقائي عَظِيم الْجد فِي تَصْحِيح هَذَا الْكَلَام بعلة أَن الْأَوْصَاف لما كَانَت محصورة وجميعها لَيست بعلة للْحكم بل الْعلَّة وصف مِنْهَا فَإِذا قَامَ الدَّلِيل على فَسَاد سَائِر الْأَوْصَاف سوى وَاحِد مِنْهَا ثَبت صِحَة ذَلِك الْوَصْف بِدَلِيل الْإِجْمَاع كأصل الحكم فَإِن الْعلمَاء إِذا اخْتلفُوا فِي حكم حَادِثَة على أقاويل فَإِذا ثَبت بِالدَّلِيلِ فَسَاد سَائِر الْأَقَاوِيل إِلَّا وَاحِدًا ثَبت صِحَة ذَلِك القَوْل وَذَلِكَ نَحْو اخْتِلَاف الْعلمَاء فِي جَارِيَة بَين رجلَيْنِ جَاءَت بِولد فادعياه فَإنَّا إِذا أفسدنا قَول من يَقُول بِالرُّجُوعِ إِلَى قَول الْقَائِف وَقَول من يَقُول بِالْقُرْعَةِ وَقَول من يَقُول بالتوقف إِنَّه لَا يثبت النّسَب من وَاحِد مِنْهُمَا يثبت بِهِ صِحَة قَول من يَقُول بِأَنَّهُ يثبت النّسَب مِنْهُمَا جَمِيعًا
وَإِذا قَالَ لنسائه الْأَرْبَعَة إحداكن طَالِق ثَلَاثًا ووطىء ثَلَاثًا مِنْهُنَّ حَتَّى يكون ذَلِك دَلِيلا على انْتِفَاء الْمُحرمَة عَنْهُن تعين بهَا الرَّابِعَة مُحرمَة فَكَانَ تقرب هَذَا من الْأَدِلَّة الْعَقْلِيَّة
قَالَ الشَّيْخ وَعِنْدِي أَن هَذَا غلط لَا نجوز القَوْل بِهِ وَهُوَ مَعَ ذَلِك نوع من الِاحْتِجَاج بِالدَّلِيلِ
أما بَيَان الْغَلَط فِيهِ وَهُوَ أَن مَا يَجعله هَذَا الْقَائِل دَلِيل صِحَة علته هُوَ الدَّلِيل على فَسَاده لِأَنَّهُ لَا يُمكنهُ سلوك هَذَا الطَّرِيق إِلَّا بعد قَوْله بالمساواة بَين الْأَوْصَاف فِي أَن كل وصف مِنْهَا صَالح أَن يكون عِلّة للْحكم وَبعد ثُبُوت هَذِه الْمُسَاوَاة فالدليل الَّذِي يدل على فَسَاد بَعْضهَا هُوَ الدَّلِيل على فَسَاد مَا بَقِي مِنْهَا لِأَنَّهُ مَتى علم الْمُسَاوَاة بَين شَيْئَيْنِ فِي الحكم ثمَّ ظهر لأَحَدهمَا حكم بِالدَّلِيلِ فَذَلِك الدَّلِيل يُوجب مثل
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute