للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الِابْتِلَاء وَبِهَذَا تبين أَن المُرَاد من قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاقبلوا صدقته بِالْوُقُوفِ على أَدَاء الْوَاجِب من غير خلط النَّفْل بِهِ وَهَكَذَا نقُول فِي الصَّوْم إِلَّا أَن الرُّخْصَة هُنَاكَ فِي تَأْخِير الحكم عَن السَّبَب وَلَيْسَ للعباد اخْتِيَار فِي رد ذَلِك إِلَّا أَن أصل السَّبَب مُوجب فِي حَقه وَلِهَذَا يلْزمه الْقَضَاء إِذا أدْرك عدَّة من أَيَّام أخر

وَبَيَان هَذَا فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن الله وضع الْمُسَافِر شطر الصَّلَاة وَأَدَاء الصَّوْم يُحَقّق مَا ذكرنَا أَن الْمَشِيئَة التَّامَّة وَالِاخْتِيَار الْكَامِل لَا يثبت للْعَبد أصلا فَإِن ذَلِك بربوبته وَذَلِكَ معنى قَوْله تَعَالَى {وَرَبك يخلق مَا يَشَاء ويختار} أَي يتعالى أَن يكون لَهُ رَفِيق فِيمَا يخْتَار ويتعالى أَن يكون لَهُ اخْتِيَار لدفع ضَرَر عَنهُ وَهَذَا هُوَ الِاخْتِيَار الْكَامِل فَأَما الِاخْتِيَار للْعَبد لَا يَنْفَكّ عَن معنى الرِّفْق بِهِ وَذَلِكَ فِي أَن يجر إِلَى نَفسه مَنْفَعَة بِاخْتِيَارِهِ أَو يدْفع عَن نَفسه ضَرَرا

أَلا ترى أَن الله تَعَالَى خير الْحَالِف بَين الْأَنْوَاع الثَّلَاثَة فِي الْكَفَّارَة ليحصل للمكفر الرِّفْق لنَفسِهِ بِاخْتِيَارِهِ الْأَيْسَر عَلَيْهِ وَهَذَا لَا يتَحَقَّق فِي التَّخْيِير بَين الْقَلِيل وَالْكثير فِي الْجِنْس الْوَاحِد بِوَجْه وَسَوَاء صلى رَكْعَتَيْنِ أَو أَرْبعا فَهُوَ ظهر وببداهة الْعُقُول يعلم أَن الرِّفْق مُتَعَيّن فِي أَدَاء الرَّكْعَتَيْنِ فَمن قَالَ بِأَنَّهُ يتَخَيَّر بَين الْأَقَل وَالْأَكْثَر من غير رفق لَهُ فِي ذَلِك فَإِنَّهُ لَا يثبت لَهُ خيارا يَلِيق بالعبودية وَالْعجز وَخطأ هَذَا غير مُشكل وَمن يَقُول بِأَن للْعَبد أَن يرد مَا أسقط الله تَعَالَى عَنهُ بطرِيق التَّصَدُّق عَلَيْهِ فخطؤه لَا يشكل أَيْضا لِأَن عَفْو الله تَعَالَى عَن الْعباد فِي الْآخِرَة لَا يَقُول فِيهِ أحد من الْعُقَلَاء إِنَّه يرْتَد برد العَبْد وَإنَّهُ تَخْيِير للْعَبد وَهَذَا بِخِلَاف العَبْد الْمَأْذُون فِي أَدَاء الْجُمُعَة لِأَن الْجُمُعَة غير الظّهْر وَلِهَذَا لَا يجوز بِنَاء أَحدهمَا على الآخر وَعند الْمُغَايرَة لَا يتَعَيَّن الرِّفْق فِي الْأَقَل عددا فَأَما ظهر الْمُقِيم وَظهر الْمُسَافِر فواحد فِي الحكم فبالتخيير بَين الْقَلِيل وَالْكثير فِيهِ لَا يتَحَقَّق شَيْء من معنى الرِّفْق فِيهِ

وَنَظِير هَذَا العَبْد الْجَانِي إِذا جنى جِنَايَة يُخَيّر الْمولى بَين الدّفع وَالْفِدَاء فَإِن أعْتقهُ الْمولى وَهُوَ لَا يعلم بِالْجِنَايَةِ أَو كَانَ الْجَانِي مُدبرا تكون على الْمولى قِيمَته وَلَا خِيَار لَهُ فِي ذَلِك لِأَن الْجِنْس لما كَانَ وَاحِدًا فالرفق كُله مُتَعَيّن فِي الْأَقَل

وَكَذَلِكَ من اشْترى شَيْئا لم يره يثبت لَهُ خِيَار الرُّؤْيَة لتحقيق معنى الرِّفْق باسترداد الثّمن عِنْد فسخ

<<  <  ج: ص:  >  >>