للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْفِعْل حَرَامًا لعَينه فَمَعَ بَقَاء التقوم والعصمة حَقًا للْمَالِك لَا يكون الْفِعْل حَرَامًا لعَينه بل لغيره وَهُوَ حق الْمَالِك فَعرفنَا أَنه لم يبْق الْعِصْمَة والتقوم فِي الْمحل حَقًا للْعَبد عندنَا بِاعْتِبَار خَاص مَنْصُوص عَلَيْهِ وَلَا يدْخل عَلَيْهِ الْملك فَإِنَّهُ يبْقى للْمَالِك حَتَّى يسْتَردّهُ إِن كَانَ قَائِما بِعَيْنِه لِأَن مَعَ بَقَاء الْملك لَهُ لَا تنعدم صفة الْكَمَال فِي السَّبَب وَهُوَ كَون الْفِعْل حَرَامًا لعَينه أَلا ترى أَن الْعصير إِذا تخمر يبْقى مَمْلُوكا وَيكون الْفِعْل فِيهِ حَرَامًا لعَينه حَتَّى يجب الْحَد بشربه وَلَكِن لم يبْق مَعْصُوما مُتَقَوّما لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يكون بِمَنْزِلَة عصير الْغَيْر فَلَا يكون شربه حَرَامًا لعَينه

ثمَّ وجوب الْقطع بِاعْتِبَار الْعِصْمَة والتقوم فِي مَحل مَمْلُوك فَأَما الْمَالِك فَهُوَ غير مُعْتَبر فِيهِ لعَينه بل ليظْهر السَّبَب بخصومته عِنْد الإِمَام وَلِهَذَا لَو ظهر بخصومة غير الْمَالِك نُقِيم الْحَد بخصومة الْمكَاتب وَالْعَبْد الْمَأْذُون الْمُسْتَغْرق بِالدّينِ فِي كَسبه وَالْمُتوَلِّيّ فِي مَال الْوَقْف وَنحن إِنَّمَا جعلنَا مَا وَجب الْقطع بِاعْتِبَارِهِ حَقًا لله تَعَالَى لضَرُورَة كَون الْوَاجِب مَحْض حق الله تَعَالَى وَذَلِكَ فِي الْعِصْمَة والتقوم دون أصل الْملك

وَمن هَذِه الْجُمْلَة قَوْله تَعَالَى {أَن تَبْتَغُوا بأموالكم} فالابتغاء مَوْضُوع لِمَعْنى مَعْلُوم وَهُوَ الطّلب بِالْعقدِ وَالْبَاء للإلصاق فَثَبت لَهُ اشْتِرَاط كَون المَال مُلْصقًا بِهِ بالابتغاء تَسْمِيَة أَو وجوبا وَالْقَوْل بتراخيه عَن الابتغاء إِلَى وجود حَقِيقَة الْمَطْلُوب كَمَا قَالَه الْخصم فِي المفوضة أَنه لَا يجب الْمهْر لَهَا إِلَّا بِالْوَطْءِ يكون ترك الْعَمَل بالخاص فَيكون فِي معنى النّسخ لَهُ وَلَا يجوز الْمصير إِلَيْهِ بِالرَّأْيِ

وَمن ذَلِك قَوْله تَعَالَى {قد علمنَا مَا فَرضنَا عَلَيْهِم فِي أَزوَاجهم} فالفرض لِمَعْنى مَعْلُوم لُغَة وَهُوَ التَّقْدِير وَالْكِتَابَة فِي قَوْله تَعَالَى {فَرضنَا} لِمَعْنى مَعْلُوم لُغَة وَهُوَ إِرَادَة الْمُتَكَلّم نَفسه فَالْقَوْل بِأَن الْمهْر غير مُقَدّر شرعا بل يكون إِيجَاب أَصله بِالْعقدِ وَبَيَان مِقْدَاره مفوضا إِلَى رَأْي الزَّوْجَيْنِ يكون ترك الْعَمَل بِهَذَا الْخَاص فَإِنَّمَا الْعَمَل بِهِ فِيمَا قُلْنَا إِن وجوب أَصله وَأدنى الْمِقْدَار فِيهِ ثَابت شرعا لَا خِيَار لَهُ فِيهِ للزوجين

وَمن هَذَا النَّوْع مَا قَالَ مُحَمَّد وَالشَّافِعِيّ فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِن طَلقهَا فَلَا تحل لَهُ من بعد حَتَّى تنْكح زوجا غَيره} إِن كلمة حَتَّى مَوْضُوع لِمَعْنى لُغَة وَهُوَ الْغَايَة وَالنِّهَايَة فَجعله لِمَعْنى مُوجب حلا حَادِثا يكون ترك الْعَمَل بِهَذَا الْخَاص وَإِنَّمَا الْعَمَل بِهِ فِي أَن يَجْعَل غَايَة للْحُرْمَة الْحَاصِلَة فِي الْمحل وَلَا حُرْمَة قبل اسْتِيفَاء عدد الطَّلَاق وَلَا تصور للغاية قبل وجود أصل الشَّيْء فَإِن الْمُنْتَهى بالغاية بعض الشَّيْء فَكيف يتَحَقَّق قبل وجود أَصله بل يكون وجود الزَّوْج الثَّانِي فِي هَذِه الْحَالة كَعَدَمِهِ

وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف رحمهمَا الله مَا تنَاوله هَذَا الْخَاص فَهُوَ غَايَة لما وضع

<<  <  ج: ص:  >  >>