للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لمراده لفظ مَوْضُوع لُغَة وَذَلِكَ صِيغَة الْعُمُوم {لَا يظلم مِثْقَال ذرة} وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا من دَابَّة فِي الأَرْض إِلَّا على الله رزقها} فَهَذَا الِاسْتِعْمَال يمنعهُم عَن القَوْل بالتوقف فِي مُوجب الْعُمُوم

ثمَّ الْعُمُوم بِهَذِهِ الصِّيغَة حَقِيقَة وَاحْتِمَال إِرَادَة الْمجَاز لَا يخرج الْحَقِيقَة من أَن تكون مُوجب مُطلق الْكَلَام أَلا ترى أَن بعد تعين الْإِحَاطَة فِيهِ بقوله تَعَالَى أَجْمَعُونَ أَو كلهم لَا يَنْتَفِي هَذَا الِاحْتِمَال من كل وَجه حَتَّى يَسْتَقِيم أَن يقرن بِهِ الِاسْتِثْنَاء قَالَ تَعَالَى {فَسجدَ الْمَلَائِكَة كلهم أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيس} وَيَقُول الرجل جَاءَنِي الْقَوْم كلهم أَجْمَعُونَ إِلَّا فلَانا وَفُلَانًا

ثمَّ هَذَا لَا يمْنَع القَوْل بِأَن مُوجبه الْإِحَاطَة فِيمَا تنَاوله فَكَذَلِك فِي مُطلق اللَّفْظ مَعَ أَنا لَا نقُول إِن مَا يقرن بِهِ يكون تَفْسِيرا وَلَكِن نقُول وَإِن كَانَ مُوجبه الْعُمُوم قطعا فَهُوَ غير مُحكم لاحْتِمَال إِرَادَة الْخُصُوص فِيهِ فَيصير بِمَا يقرن بِهِ محكما إِذا أطلق ذَلِك كَمَا فِي قَوْله جَاءَنِي الْقَوْم كلهم فَإِنَّهُ لَا يَنْفِي احْتِمَال الْخُصُوص بعد هَذَا إِذا لم يقرن بِهِ اسْتثِْنَاء يكون مغيرا لَهُ وَمثله فِي الْخَاص مَوْجُود فَإِن قَوْله جَاءَنِي فلَان خَاص مُوجب لما تنَاوله وَلكنه غير مُحكم فِيهِ لاحْتِمَال الْمجَاز فَإِذا قَالَ جَاءَنِي فلَان نَفسه يصير محكما وينتفي احْتِمَال الْمجَاز فِي أَن الَّذِي جَاءَهُ رَسُوله أَو عَبده أَو كِتَابه

ثمَّ قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله أجعَل مُطلق الْعَام مُوجبا للْعَمَل فِيمَا تنَاوله وَلَكِن احْتِمَال الْخُصُوص فِيهِ قَائِم وَمَعَ الِاحْتِمَال لَا يصير مَقْطُوعًا بِهِ فَلَا أجعله مُوجبا للْعَمَل فِيمَا تنَاوله قطعا

وَلَكنَّا نقُول المُرَاد بِمُطلق الْكَلَام مَا هُوَ الْحَقِيقَة فِيهِ والحقيقة مَا كَانَت الصِّيغَة مَوْضُوعَة لَهُ لُغَة وَهَذِه الصِّيغَة مَوْضُوعَة لمقصود الْعُمُوم فَكَانَت حَقِيقَة فِيهَا وَحَقِيقَة الشَّيْء ثَابت بِثُبُوتِهِ قطعا مَا لم يقم الدَّلِيل على مجازه كَمَا فِي لفظ الْخَاص فَإِن مَا هُوَ حَقِيقَة فِيهِ يكون ثَابتا بِهِ قطعا حَتَّى يقوم الدَّلِيل على صرفه إِلَى الْمجَاز

<<  <  ج: ص:  >  >>