للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالتمييز بَين مَا هُوَ مُرَاد الْمُتَكَلّم وَبَين مَا لَيْسَ بِمُرَاد لَهُ قبل أَن يظْهر دَلِيله فِيهِ حرج عَظِيم وَسقط اعْتِبَاره شرعا ويقام السَّبَب الظَّاهِر الدَّال على مُرَاده وَهُوَ صِيغَة الْعُمُوم مقَام حَقِيقَة الْبَاطِن الَّذِي لَا يتَوَصَّل إِلَيْهِ إِلَّا بحرج أَلا ترى أَن خطاب الشَّرْع يتَوَجَّه على الْمَرْء إِذا اعتدل حَاله وَلَكِن اعْتِدَال الْحَال أَمر بَاطِن وَله سَبَب ظَاهر من حَيْثُ الْعَادة وَهُوَ الْبلُوغ عَن عقل فَأَقَامَ الشَّرْع هَذَا السَّبَب الظَّاهِر مقَام ذَلِك الْمَعْنى الْبَاطِن للتيسير ثمَّ دَار الحكم مَعَه وجودا وعدما حَتَّى إِنَّه وَإِن اعتدل حَاله قبل الْبلُوغ يَجْعَل ذَلِك كَالْمَعْدُومِ حكما فِي (حق) توجه الْخطاب عَلَيْهِ وَلَو لم يعتدل حَاله بعد الْبلُوغ عَن عقل كَانَ الْخطاب مُتَوَجها أَيْضا لهَذَا الْمَعْنى وَمن نظر عَن إنصاف لَا يشكل عَلَيْهِ أَن الْحَرج فِي التَّأَمُّل فِي إِرَادَة الْمُتَكَلّم ليتميز بِهِ مَا هُوَ مُرَاد لَهُ مِمَّا لَيْسَ بِمُرَاد فَوق الْحَرج بِالتَّأَمُّلِ فِي أَحْوَال الصّبيان ليتوقف على اعْتِدَال حَالهم وَهَذَا أصل كَبِير فِي الْفِقْه فَإِن الرُّخْصَة بِسَبَب السّفر تثبت لدفع الْمَشَقَّة كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {يُرِيد الله بكم الْيُسْر وَلَا يُرِيد بكم الْعسر} ثمَّ حَقِيقَة الْمَشَقَّة بَاطِن تخْتَلف فِيهِ أَحْوَال النَّاس وَله سَبَب ظَاهر وَهُوَ السّير المديد فَأَقَامَ الشَّرْع هَذَا السَّبَب مقَام حَقِيقَة ذَلِك الْمَعْنى وَأسْقط وجود حَقِيقَة الْمَشَقَّة فِي حق الْمُقِيم لِانْعِدَامِ السَّبَب الظَّاهِر إِلَّا إِذا تحققت الضَّرُورَة عِنْد خوف الْهَلَاك على نَفسه فَذَلِك أَمر وَرَاء الْمَشَقَّة وَأثبت الحكم عِنْد وجود السَّبَب الظَّاهِر وَإِن لم تلْحقهُ الْمَشَقَّة حَقِيقَة

وَكَذَلِكَ الِاسْتِبْرَاء فَإِنَّهُ يجب التَّحَرُّز عَن خلط الْمِيَاه المحترمة إِلَّا أَن ذَلِك بَاطِن وَله سَبَب ظَاهر وَهُوَ استحداث ملك الْوَطْء بِملك الْيَمين لِأَن زَوَال ملك الْيَمين لَا يُوجب مَا يسْتَدلّ بِهِ على بَرَاءَة الرَّحِم من عدَّة أَو اسْتِبْرَاء فَأَقَامَ الشَّرْع استحداث ملك الْوَطْء بِملك الْيَمين مقَام الْمَعْنى الْبَاطِن وَهُوَ اشْتِغَال الرَّحِم بِالْمَاءِ فِي حق وجوب التَّحَرُّز عَن الْخَلْط بالاستبراء وَلِهَذَا قُلْنَا لَو اشْتَرَاهَا من صبي أَو امْرَأَة أَو اشْتَرَاهَا وَهِي بكر أَو حَاضَت عِنْد البَائِع بعد الْوَطْء قبل أَن يَبِيعهَا يجب الِاسْتِبْرَاء لاعْتِبَار السَّبَب الظَّاهِر وَلِهَذَا قُلْنَا فِي النِّكَاح لَا يجب الِاسْتِبْرَاء وَإِن علم أَنَّهَا وطِئت قبل أَن يَتَزَوَّجهَا وطئا محرما بِأَن تزوج أمة كَانَ قد وَطئهَا قبل أَن يَتَزَوَّجهَا لِأَن الأَصْل فِي النِّكَاح الْحرَّة فَإِن الرّقّ عَارض والازدواج بَين الشخصين

<<  <  ج: ص:  >  >>