التَّعَارُض بِمَنْزِلَة الشَّهَادَات فِي الْخُصُومَات بَين الْعباد فإثبات المدافعة عِنْد الْمُعَارضَة بَين الْخَاص وَالْعَام على مَا اقْتَضَاهُ مُوجب كل وَاحِد مِنْهُمَا لَا يكون تركا للْعَمَل بِأَحَدِهِمَا ثمَّ سوى الشَّافِعِي رَحمَه الله فِيمَا أثْبته من حكم الْعُمُوم بَين مَا يحْتَمل الْعُمُوم وَبَين مَا لَا يحْتَملهُ لعدم مَحَله فِيمَا هُوَ الْمُحْتَمل فَجعل كل وَاحِد مِنْهُمَا حجَّة لإِثْبَات الحكم مَعَ ضرب شُبْهَة
وَبَيَان هَذَا فِي قَوْله تَعَالَى {لَا يَسْتَوِي أَصْحَاب النَّار وَأَصْحَاب الْجنَّة} وَقَالَ تَعَالَى {أَفَمَن كَانَ مُؤمنا كمن كَانَ فَاسِقًا لَا يستوون} وَقَالَ تَعَالَى {قل هَل يَسْتَوِي الَّذين يعلمُونَ وَالَّذين لَا يعلمُونَ} فَإِن نفي الْمُسَاوَاة بَينهمَا على الْعُمُوم غير مُحْتَمل لعلمنا بالمساواة بَينهمَا فِي حكم الْوُجُود والإنسانية والبشرية وَالصُّورَة فَقَالَ مَعَ هَذَا الْعلم يكون هَذَا الْعَام حجَّة فِيمَا هُوَ الْمُمكن حَتَّى لَا يسوى بَين الْكَافِر وَالْمُؤمن فِي حكم الْقصاص وَفِي حكم شِرَاء العَبْد الْمُسلم وَلَا يشاكله لِأَن الْعَمَل بِالدَّلِيلِ الشَّرْعِيّ وَاجِب بِحَسب الْإِمْكَان وانعدام الْإِمْكَان فِيمَا لَا يحْتَملهُ بِمَنْزِلَة دَلِيل الْخُصُوص شرعا فَكَمَا أَن دَلِيل الْخُصُوص فِيمَا يحْتَمل الْعُمُوم لَا يخرج الْعَام بِصِيغَة الْعَام من الحكم فِيمَا يثبت من أَن يكون حجَّة فِيمَا وَرَاء ذَلِك فَكَذَلِك عدم احْتِمَال الْعُمُوم حسا لَا يخرج الْعَام من أَن يكون حجَّة فِيمَا يحْتَملهُ
وَحَاصِل مذْهبه أَنه يُسَوِّي بَين مُحْتَمل الْحَال وَبَين مُحْتَمل اللَّفْظ فِيمَا يثبت بِصِيغَة الْعَام من الحكم وَفِيمَا يثبت من الشُّبْهَة الْمَانِعَة من الْعلم بِهِ قطعا وَنحن نقُول فِيمَا ذهب إِلَيْهِ تحقق الْحَرج الَّذِي هُوَ مَدْفُوع وَهُوَ الْوُقُوف على مُرَاد الْمُتَكَلّم ليعْمَل بِهِ فِيمَا يحْتَمل الْعُمُوم وَاعْتِبَار الْإِرَادَة الْمُغيرَة للْعُمُوم عَن حَقِيقَتهَا فِيمَا يحْتَمل الْعُمُوم حَتَّى لَا يكون مُوجبا قطعا فِيمَا تنَاوله وَقد بَينا أَن ذَلِك لَا يجوز شرعا وَبِه تبين فَسَاد التَّسْوِيَة بَين مُحْتَمل الْحَال وَبَين مُحْتَمل اللَّفْظ وَتبين أَن مُوجب الْعُمُوم لَا يثبت فِيمَا لَا يُمكن الْعَمَل بِعُمُومِهِ لِانْعِدَامِ مَحل الْعُمُوم وسنقرر هَذَا فِي الْفَصْل الَّذِي يَأْتِي وَهُوَ الْعَام إِذا خصص مِنْهُ شَيْء وَإِنَّمَا سوينا فِي مُوجب الْعَام بَين الْخَبَر وَالْأَمر وَالنَّهْي لِأَن ذَلِك حكم صِيغَة الْعُمُوم وَهَذِه الصِّيغَة متحققة فِي الْأَخْبَار كَمَا فِي الْأَمر وَالنَّهْي وَالله أعلم بِالصَّوَابِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute