فِي الْمُسْتَثْنى لَا تمنع صِحَة الِاسْتِثْنَاء لِأَنَّهُ يبين أَن صِيغَة الْكَلَام لم تتَنَاوَل الْمُسْتَثْنى أصلا وَمَا لم يتَنَاوَلهُ الْكَلَام فَلَا أثر للْجَهَالَة فِيهِ وَهَذَا بِخِلَاف صِيغَة الْعَام فِيمَا لَا يحْتَملهُ الْعُمُوم لِأَن الْكَلَام إِنَّمَا يكون مُفِيدا حكمه إِذا صدر من أَهله فِي مَحَله فَإِن البيع كَمَا لَا يَصح من الْمَجْنُون لِانْعِدَامِ الْأَهْلِيَّة لَا يَصح فِي الْحر لِانْعِدَامِ الْمَحَلِّيَّة فَكَذَلِك صِيغَة الْعُمُوم فِي مَحل لَا يقبل الْعُمُوم بِمَنْزِلَة الصَّادِر من غير أَهله فَلَا يكون مُوجبا حكم الْعُمُوم وَإِذا لم ينْعَقد مُوجبا حكم الْعَام وَلَيْسَ وَرَاءه شَيْء مَعْلُوم يُمكن أَن يَجْعَل الْكَلَام عبارَة عَنهُ بَقِي مُجملا فِيمَا هُوَ المُرَاد فَأَما إِذا صدر من أَهله فِي مَحَله كَانَ مُوجبا حكمه إِلَّا أَن يمْنَع مِنْهُ مَانع والمجهول لَا يصلح أَن يكون مَانِعا فَبَقيَ أصل الْكَلَام مُعْتَبرا فِي مُوجبه أَلا ترى أَن البَائِع بعد تَمام البيع إِذا أجل المُشْتَرِي فِي الثّمن أَََجَلًا مَجْهُولا من غير أَن يشْتَرط ذَلِك فِي أصل البيع يبْقى البيع مُوجبا حَالا للثّمن لِأَنَّهُ انْعَقَد مُوجبا لذَلِك وَهَذَا الْمَانِع وَهُوَ الْأَجَل لَا يصلح أَن يكون مُؤَخرا للمطالبة فَيبقى الحكم الأول على حَاله
وَأما وَجه القَوْل الرَّابِع وَهُوَ الصَّحِيح أَن دَلِيل الْخُصُوص بِمَنْزِلَة الِاسْتِثْنَاء فِي حق الحكم وبمنزلة النَّاسِخ بِاعْتِبَار الصِّيغَة لِأَن بِدَلِيل الْخُصُوص يتَبَيَّن بِأَن المُرَاد إِثْبَات الحكم فِيمَا وَرَاء الْمَخْصُوص لَا أَن يكون المُرَاد رفع الحكم عَن الْموضع الْمَخْصُوص بعد أَن كَانَ ثَابتا وَلِهَذَا لَا يكون إِلَّا مُقَارنًا حَتَّى لَو كَانَ طارئا يَجْعَل نسخا لَا خُصُوصا لِأَنَّهُ لَا يُمكن أَن يَجْعَل مُبينًا أَن المُرَاد مَا وَرَاءه وَمن حَيْثُ الصِّيغَة هُوَ كَلَام مُبْتَدأ مَفْهُوم بِنَفسِهِ مُفِيد للْحكم وَإِن لم تتقدمه صِيغَة الْعَام فَعرفنَا أَنه من حَيْثُ الصِّيغَة مُعْتَبر بِدَلِيل النّسخ لِأَنَّهُ مُنْفَصِل عَن الْعَام وَمن حَيْثُ الحكم هُوَ بِمَنْزِلَة الِاسْتِثْنَاء لِأَنَّهُ مُتَّصِل بِهِ حكما حَتَّى لَا يجوز إِلَّا مُقَارنًا لَهُ فَلم يجز إِلْحَاقه بِأَحَدِهِمَا خَاصَّة بل يعْتَبر فِي كل حكم بنظيره كَمَا هُوَ الأَصْل فِيمَا تردد بَين شَيْئَيْنِ وَأخذ حظا مُعْتَبرا من كل وَاحِد مِنْهُمَا فَإِنَّهُ يعْتَبر بهما فَنَقُول إِذا كَانَ الْمُسْتَثْنى مَجْهُولا فاعتبار جَانب الصِّيغَة فِيهِ يسْقط دَلِيل الْخُصُوص وَيبقى حكم الْعَام فِي جَمِيع مَا تنَاوله وَاعْتِبَار جَانب الحكم فِيهِ وَهُوَ أَنه بِمَنْزِلَة الِاسْتِثْنَاء يمْنَع ثُبُوت الحكم فِيمَا وَرَاء الْمَخْصُوص لكَونه مَجْهُولا فَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute