للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَو قَالَ المَاء لِأَن صيغته صِيغَة الْفَرد وَالْمرَاد بِهِ الْجِنْس فَيتَنَاوَل الْقَلِيل وَالْكثير سَوَاء قرن بِهِ اللَّام أَو لم يقرن لِأَنَّهُ لما خلا عَن معنى الْجَمَاعَة صِيغَة إِذْ لَيْسَ لَهُ وحدان كَانَ جِنْسا فإدخال الْألف وَاللَّام فِيهِ يكون للتَّأْكِيد كَالرّجلِ يَقُول رَأَيْت قوما وافدين وَرَأَيْت الْقَوْم الوافدين على فلَان كَانَ ذَلِك كتأكيد معنى الْجِنْس

ثمَّ اسْم الْجِنْس يتَنَاوَل الْأَدْنَى حَقِيقَة من الْوَجْه الَّذِي قَررنَا أَنه لَو تصور أَن لَا يبْقى من المَاء إِلَّا ذَلِك الْقَلِيل كَانَ اسْم المَاء لَهُ حَقِيقَة وَلَا يتَغَيَّر ذَلِك بِكَثْرَة الْجِنْس

وَقد قَالَ بعض مَشَايِخنَا رَحِمهم الله إِن الْحَالِف إِنَّمَا يمْنَع نَفسه بِيَمِينِهِ عَمَّا فِي وَسعه وَفِي وَسعه شرب الْقَلِيل من الْجِنْس وَلَيْسَ فِي وَسعه شرب الْجَمِيع فلعلمنا بِأَنَّهُ لم يرد جَمِيع الْجِنْس صرفناه إِلَى أقل مَا يتَنَاوَلهُ اسْم الْجِنْس على احْتِمَال أَن يكون مُرَاده الْكل حَتَّى إِذا نَوَاه لم يَحْنَث قطّ

وَمن هَذَا الْقسم كلمة من فَإِنَّهَا كلمة مُبْهمَة وَهِي عبارَة عَن ذَات من يعقل وَهِي تحْتَمل الْخُصُوص والعموم أَلا ترى أَنه إِذا قيل من فِي الدَّار يَسْتَقِيم فِي جَوَابه فِيهَا فلَان وَفُلَان وَفُلَان وَإِذا قَالَ من أَنْت يَسْتَقِيم فِي جَوَابه أَنا فلَان فَمَتَى وصلت هَذِه الْكَلِمَة بمعهود كَانَت للخصوص وَإِذا وصلت بِغَيْر الْمَعْهُود تحْتَمل الْعُمُوم وَالْخُصُوص وَالْأَصْل فِيهَا الْعُمُوم قَالَ الله تَعَالَى {وَمِنْهُم من يستمع إِلَيْك} وَقَالَ {وَمِنْهُم من ينظر إِلَيْك} إِلَى قَوْله تَعَالَى {وَلَو كَانُوا لَا يبصرون} وَقَالَ تَعَالَى {فَمن شهد مِنْكُم الشَّهْر فليصمه} وَالْمرَاد الْعُمُوم وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من قتل قَتِيلا فَلهُ سلبه وَمن دخل دَار أبي سُفْيَان فَهُوَ آمن وعَلى هَذَا الأَصْل قُلْنَا إِذا قَالَ من شَاءَ من عَبِيدِي الْعتْق فَهُوَ حر فشاؤوا جَمِيعًا عتقوا لِأَن كلمة من تَقْتَضِي الْعُمُوم وَإِنَّمَا أضَاف الْمَشِيئَة إِلَى من دخل تَحت كلمة من فيتعمم بِعُمُومِهِ

وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد إِذا قَالَ من شِئْت من عَبِيدِي عتقه فَهُوَ حر فشاء عتقهم جَمِيعًا عتقوا أَيْضا لِأَن كلمة من تعم العبيد وَمن لتمييز هَذَا الْجِنْس من سَائِر الْأَجْنَاس بِمَنْزِلَة قَوْله تَعَالَى {فَاجْتَنبُوا الرجس من الْأَوْثَان} وَإِضَافَة الْمَشِيئَة إِلَى خَاص لَا يُغير الْعُمُوم الثَّابِت بِكَلِمَة من كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَأذن لمن شِئْت مِنْهُم} وَقَالَ تَعَالَى {ترجي من تشَاء مِنْهُنَّ} وَلَكِن أَبُو حنيفَة رَحمَه الله قَالَ لَهُ أَن يعتقهم جَمِيعًا إِلَّا وَاحِدًا مِنْهُم لِأَن كلمة من للتعميم وَمن للتَّبْعِيض وَهُوَ الْحَقِيقَة فَإِذا أضَاف الْمَشِيئَة إِلَى خَاص يبْقى معنى الْخُصُوص مُعْتَبرا فِيهِ مَعَ الْعُمُوم فَيتَنَاوَل بَعْضًا عَاما وَذَلِكَ فِي أَن يتناولهم إِلَّا وَاحِدًا مِنْهُم

وَإِنَّمَا رجحنا معنى الْعُمُوم فِيمَا تلونا من الْآيَتَيْنِ بِالْقَرِينَةِ الْمَذْكُورَة فِيهَا وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {واستغفر لَهُم الله} وَقَالَ تَعَالَى {ذَلِك أدنى أَن}

<<  <  ج: ص:  >  >>