للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إِلَى الْعُقُول والأوهام لظُهُوره مَوْضُوعا فِيمَا هُوَ المُرَاد مِثَاله قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا النَّاس اتَّقوا ربكُم} وَقَالَ تَعَالَى {وَأحل الله البيع} وَقَالَ تَعَالَى {فَاقْطَعُوا أَيْدِيهِمَا} فَهَذَا وَنَحْوه ظَاهر يُوقف على المُرَاد مِنْهُ بِسَمَاع الصِّيغَة وَحكمه لُزُوم مُوجبه قطعا عَاما كَانَ أَو خَاصّا

وَأما النَّص فَمَا يزْدَاد وضوحا بِقَرِينَة تقترن بِاللَّفْظِ من الْمُتَكَلّم لَيْسَ فِي اللَّفْظ مَا يُوجب ذَلِك ظَاهرا بِدُونِ تِلْكَ الْقَرِينَة وَزعم بعض الْفُقَهَاء أَن اسْم النَّص لَا يتَنَاوَل إِلَّا الْخَاص وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِن اشتقاق هَذِه الْكَلِمَة من قَوْلك نصصت الدَّابَّة إِذا حملتها على سير فَوق السّير الْمُعْتَاد مِنْهَا بِسَبَب باشرته وَمِنْه المنصة فَإِنَّهُ اسْم للعرش الَّذِي يحمل عَلَيْهِ الْعَرُوس فَيَزْدَاد ظهورا بِنَوْع تكلّف فَعرفنَا أَن النَّص مَا يزْدَاد وضوحا لِمَعْنى من الْمُتَكَلّم يظْهر ذَلِك عِنْد الْمُقَابلَة بِالظَّاهِرِ عَاما كَانَ أَو خَاصّا إِلَّا أَن تِلْكَ الْقَرِينَة لما اخْتصّت بِالنَّصِّ دون الظَّاهِر جعل بَعضهم الِاسْم للخاص فَقَط

وَقَالَ بَعضهم النَّص يكون مُخْتَصًّا بِالسَّبَبِ الَّذِي كَانَ السِّيَاق لَهُ فَلَا يثبت بِهِ مَا هُوَ مُوجب الظَّاهِر وَلَيْسَ كَذَلِك عندنَا فَإِن الْعبْرَة لعُمُوم الْخطاب لَا لخُصُوص السَّبَب عندنَا على مَا نبينه فَيكون النَّص ظَاهرا لصيغة الْخطاب نصا بِاعْتِبَار الْقَرِينَة الَّتِي كَانَ السِّيَاق لأَجلهَا وَبَيَان هَذَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَأحل الله البيع وَحرم الرِّبَا} فَإِنَّهُ ظَاهر فِي إِطْلَاق البيع نَص فِي الْفرق بَين البيع والربا بِمَعْنى الْحل وَالْحُرْمَة لِأَن السِّيَاق كَانَ لأَجله لِأَنَّهَا نزلت ردا على الْكَفَرَة فِي دَعوَاهُم الْمُسَاوَاة بَين البيع والربا كَمَا قَالَ تَعَالَى {ذَلِك بِأَنَّهُم قَالُوا إِنَّمَا البيع مثل الرِّبَا} وَقَوله تَعَالَى {فانكحوا مَا طَابَ لكم من النِّسَاء} ظَاهر فِي تَجْوِيز نِكَاح مَا يستطيبه الْمَرْء من النِّسَاء نَص فِي بَيَان الْعدَد لِأَن سِيَاق الْآيَة لذَلِك بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى {مثنى وَثَلَاث وَربَاع} وَقَوله تَعَالَى {فطلقوهن لعدتهن} نَص فِي الْأَمر بمراعاة وَقت السّنة عِنْد إِرَادَة الْإِيقَاع لِأَن السِّيَاق كَانَ لأجل ذَلِك ظَاهر فِي الْأَمر بِأَن لَا يزِيد على تَطْلِيقَة وَاحِدَة (فَإِن امْتِثَال هَذِه الصِّيغَة يكون بقوله طلقت وَبِهَذَا اللَّفْظ لَا يَقع الطَّلَاق إِلَّا وَاحِدَة وَالْأَمر مُوجب)

<<  <  ج: ص:  >  >>