للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِك الْقدر من السُّكْنَى مُسْتَثْنى لمعْرِفَة مَقْصُوده وَهُوَ أَن يمْنَع نَفسه بِيَمِينِهِ عَمَّا فِي وَسعه دون مَا لَيْسَ فِي وَسعه وعَلى هَذَا لَو حلف لَا يُطلق وَقد كَانَ علق الطَّلَاق بِشَرْط قبل هَذِه الْيَمين فَوجدَ الشَّرْط لم يَحْنَث أَو كَانَ حلف بعد الْجرْح أَن لَا يقتل فَمَاتَ الْمَجْرُوح لم يَحْنَث وَيجْعَل ذَلِك بِمَنْزِلَة دَلِيل الِاسْتِثْنَاء بِمَعْرِِفَة مَقْصُوده

وَمن أَحْكَام الْحَقِيقَة وَالْمجَاز أَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ فِي لفظ وَاحِد فِي حَالَة وَاحِدَة على أَن يكون كل وَاحِد مِنْهُمَا مرَادا بِحَال لِأَن الْحَقِيقَة أصل وَالْمجَاز مستعار وَلَا تصور لكَون اللَّفْظ الْوَاحِد مُسْتَعْملا فِي مَوْضُوعه مستعارا فِي مَوضِع آخر سوى مَوْضُوعه فِي حَالَة وَاحِدَة كَمَا لَا تصور لكَون الثَّوْب الْوَاحِد على اللابس ملكا وعارية فِي وَقت وَاحِد وَلِهَذَا قُلْنَا فِي قَوْله تَعَالَى {أَو لامستم النِّسَاء} المُرَاد الْجِمَاع دون اللَّمْس بِالْيَدِ لِأَن الْجِمَاع مُرَاد بالِاتِّفَاقِ حَتَّى يجوز التَّيَمُّم للْجنب بِهَذَا النَّص وَلَا تَجْتَمِع الْحَقِيقَة وَالْمجَاز مرَادا بِاللَّفْظِ فَإِذا كَانَ الْمجَاز مرَادا تتنحى الْحَقِيقَة وَلِهَذَا قُلْنَا النَّص الْوَارِد فِي تَحْرِيم الْخمر وَإِيجَاب الْحَد بشربه بِعَيْنِه لَا يتَنَاوَل سَائِر الْأَشْرِبَة المسكرة حَتَّى لَا يجب الْحَد بهَا مَا لم تسكر لِأَن الِاسْم للنيء من مَاء الْعِنَب المشتد حَقِيقَة ولسائر الْأَشْرِبَة المسكرة مجَازًا فَإِذا كَانَت الْحَقِيقَة مرَادا يتَنَحَّى الْمجَاز وعَلى هَذَا الأَصْل قَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله فِيمَن أوصى لبني فلَان أَو لأَوْلَاد فلَان وَله بنُون لصلبه وَأَوْلَاد الْبَنِينَ فَإِن أَوْلَاد الْبَنِينَ لَا يسْتَحقُّونَ شَيْئا لِأَن الْحَقِيقَة مُرَادة فيتنحى الْمجَاز

وَقَالَ فِي السّير إِذا استأمنوا على آبَائِهِم لَا يدْخل أجدادهم فِي ذَلِك وَإِذا استأمنوا على أمهاتهم لَا تدخل الْجدَّات فِي ذَلِك لِأَن الْحَقِيقَة مُرَادة فيتنحى الْمجَاز وعَلى هَذَا قَالَ فِي الْجَامِع لَو أَن عَرَبيا لَا وَلَاء عَلَيْهِ أوصى لمواليه وَله معتقون ومعتق المعتقين فَإِن الْوَصِيَّة لمعتقه وَلَيْسَ لمعتق الْمُعْتق شَيْء لِأَن الِاسْم للمعتقين حَقِيقَة بِاعْتِبَار أَنه بَاشر سَبَب إحيائهم بإحداث قُوَّة الْمَالِكِيَّة فيهم بِالْإِعْتَاقِ لِأَن الْحُرِّيَّة حَيَاة وَالرّق تلف حكما فَكَانُوا منسوبين

<<  <  ج: ص:  >  >>