للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي المصروف إِلَيْهِ وَهِي المسكنة وَجعل الْوَاجِب فعل الْإِطْعَام فَيكون ذَلِك دَلِيلا على أَنه مَشْرُوع لاعْتِبَار حَاجَة الْمحل ثمَّ هَذِه الْحَاجة تتجدد بتجدد الْأَيَّام فَجعلنَا الْمِسْكِين الْوَاحِد فِي عشرَة أَيَّام بِمَنْزِلَة عشرَة مَسَاكِين فِي جَوَاز الصّرْف إِلَيْهِ وَلِهَذَا لم نجوز صرف جَمِيع الْكَفَّارَة إِلَى مِسْكين وَاحِد دفْعَة وَاحِدَة

فَإِن قيل فقد جوزتم صرف الْكسْوَة أَيْضا إِلَى مِسْكين وَاحِد فِي عشرَة أَيَّام وَالْحَاجة إِلَى الْكسْوَة لَا تتجدد (فِي) كل يَوْم وَإِنَّمَا ذَلِك فِي كل سِتَّة أشهر أَو أَكثر

قُلْنَا قد بَينا أَن التَّكْفِير فِي الْكسْوَة يحصل بالتمليك وَالْحَاجة الَّتِي تكون بِاعْتِبَار التَّمْلِيك لَا نِهَايَة لَهَا فتجعل متجددة حكما بتجدد الْأَيَّام وَلِهَذَا قَالَ بعض مَشَايِخنَا إِذا فرق الْإِطْعَام فِي يَوْم وَاحِد يجوز أَيْضا وَإِن أدّى الْكل مِسْكينا وَاحِدًا لِأَن تجدّد الْحَاجة بتجدد الْوَقْت مَعْلُوم وحقيقتها يتَعَذَّر الْوُقُوف عَلَيْهِ فَيجْعَل بِاعْتِبَار كل سَاعَة كَأَن الْحَاجة متجددة حكما وَلَكِن هَذَا فِي التَّمْلِيك فَأَما فِي التَّمْكِين لَا يتَحَقَّق هَذَا وَأَكْثَرهم على أَن فِي الْكسْوَة يعْتَبر هَذَا الْمَعْنى الْحكمِي فَأَما فِي الطَّعَام يعْتَبر بتجدد الْأَيَّام لِأَن الْمَنْصُوص عَلَيْهِ الْإِطْعَام وَحَقِيقَته فِي التَّمْكِين من الطَّعَام وَمعنى تجدّد الْحَاجة إِلَى ذَلِك لَا يتَحَقَّق إِلَّا بتجدد الْأَيَّام

وَمن ذَلِك قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أغنوهم عَن الْمَسْأَلَة فِي مثل هَذَا الْيَوْم فالثابت بالعبارة وجوب أَدَاء صَدَقَة الْفطر فِي يَوْم الْعِيد إِلَى الْفَقِير والسياق لذَلِك وَالثَّابِت بِالْإِشَارَةِ أَحْكَام مِنْهَا أَنَّهَا لَا تجب إِلَّا على الْغَنِيّ لِأَن الإغناء إِنَّمَا يتَحَقَّق من الْغَنِيّ وَمِنْهَا أَن الْوَاجِب الصّرْف إِلَى الْمُحْتَاج لِأَن إغناء الْغَنِيّ لَا يتَحَقَّق وَإِنَّمَا يتَحَقَّق إغناء الْمُحْتَاج وَمِنْهَا أَنه يَنْبَغِي أَن يعجل أداءها قبل الْخُرُوج إِلَى الْمصلى ليستغني عَن الْمَسْأَلَة ويحضر الْمُصَلِّي فارغ الْقلب من قوت الْعِيَال فَلَا يحْتَاج إِلَى السُّؤَال وَلِهَذَا قَالَ أَبُو يُوسُف لَا يجوز صرفهَا إِلَّا إِلَى فُقَرَاء الْمُسلمين فَفِي قَوْله (فِي مثل هَذَا الْيَوْم) إِشَارَة إِلَى ذَلِك يَعْنِي أَنه يَوْم عيد للْفُقَرَاء والأغنياء جَمِيعًا وَإِنَّمَا يتم ذَلِك للْفُقَرَاء إِذا استغنوا عَن السُّؤَال فِيهِ

وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد رَضِي الله عَنْهُمَا هُوَ كَذَلِك وَلَكِن فِي هَذَا إِشَارَة إِلَى النّدب أَن الأولى أَن يصرفهُ إِلَى فُقَرَاء الْمُسلمين كَمَا أَن

<<  <  ج: ص:  >  >>