قُلْنَا نعم فِي الْجِمَاع هَذَا النَّوْع من التَّقْصِير وَلَكِن فِيهِ زِيَادَة فِي دُعَاء الطَّبْع إِلَيْهِ من حَيْثُ إِن الشبق قد يغلب على الْمَرْء على وَجه لَا يصبر عَن الْجِمَاع وَعند غَلَبَة الشبق يذهب من قلبه كل شَيْء سوى ذَلِك الْمَقْصُود وَلَا يُوجد مثل هَذَا الشبق فِي الْأكل فَتكون هَذِه الزِّيَادَة بِمُقَابلَة ذَلِك الْقُصُور حَتَّى تتَحَقَّق الْمُسَاوَاة بَينهمَا وَلَكِن لَا تعْتَبر هَذِه الزِّيَادَة عِنْد ذكر الصَّوْم فِي حق الْكَفَّارَة لِأَن غَلَبَة الشبق بِهَذِهِ الصّفة تنعدم بِإِبَاحَة الْجِمَاع لَيْلًا وَلِأَنَّهُ لَا يكون إِلَّا نَادرا وَصفَة الْكَمَال لَا تبتنى على مَا هُوَ نَادِر وَإِنَّمَا تبتنى على مَا هُوَ الْمُعْتَاد وَإِنَّمَا طَرِيق الْقيَاس فِي هَذَا مَا سلكه الشَّافِعِي رَحمَه الله حَيْثُ جعل الْمُكْره والخاطىء بِمَنْزِلَة النَّاسِي بِاعْتِبَار وصف الْعذر فَإِن الكره وَالْخَطَأ غير النسْيَان صُورَة وَمعنى فَالْحكم الثَّابِت بِالنِّسْيَانِ لَا يكون ثَابتا بالْخَطَأ والكره بِدلَالَة النَّص بل يكون بطرِيق الْقيَاس وَهُوَ قِيَاس فَاسد فَإِن الكره مُضَاف إِلَى غير من لَهُ الْحق وَهُوَ الْمُكْره وَالْخَطَأ مُضَاف إِلَى المخطىء أَيْضا وَهُوَ مِمَّا يَتَأَتَّى عَنهُ التَّحَرُّز فِي الْجُمْلَة فَلم يكن فِي معنى مَا لَا صنع للعباد فِيهِ أصلا أَلا ترى أَن الْمَرِيض يُصَلِّي قَاعِدا ثمَّ لَا تلْزمهُ الْإِعَادَة إِذا برأَ بِخِلَاف الْمُقَيد
ث وَمن ذَلِك أَن الله تَعَالَى لما أوجب الْقَضَاء على الْمُفطر فِي رَمَضَان بِعُذْر وَهُوَ الْمَرِيض وَالْمُسَافر أَوجَبْنَا على الْمُفطر بِغَيْر عذر بِدلَالَة النَّص لَا بِالْقِيَاسِ فَإِن فِي الْمَوْضِعَيْنِ يَنْعَدِم أَدَاء الصَّوْم الْوَاجِب فِي الْوَقْت وَالْمَرَض وَالسّفر عذر فِي الْإِسْقَاط لَا فِي الْإِيجَاب فَعرفنَا أَن وجوب الْقَضَاء عَلَيْهِمَا لِانْعِدَامِ الْأَدَاء فِي الْوَقْت بِالْفطرِ لُغَة وَقد وجد هَذَا الْمَعْنى بِعَيْنِه إِذا أفطر من غير عذر فَيلْزمهُ الْقَضَاء بِدلَالَة النَّص
ثمَّ قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله بِهَذَا الطَّرِيق أوجبت الْكَفَّارَة فِي قتل الْعمد لِأَن النَّص جَاءَ بِإِيجَاب الْكَفَّارَة فِي قتل الْخَطَأ وَلَكِن الْخَطَأ عذر مسْقط فَعرفنَا أَن وجوب الْكَفَّارَة بِاعْتِبَار أصل الْقَتْل دون صفة الْخَطَأ وَذَلِكَ مَوْجُود فِي الْعمد وَزِيَادَة فَتجب الْكَفَّارَة فِي الْعمد بِدلَالَة النَّص وَبِهَذَا الطَّرِيق أوجبت الْكَفَّارَة فِي الْغمُوس لِأَن فِي الْمَعْقُود على أَمر فِي الْمُسْتَقْبل وَجَبت الْكَفَّارَة بِاعْتِبَار جِنَايَته لما فِي الْإِقْدَام على الْحِنْث من هتك حُرْمَة اسْم الله تَعَالَى وَذَلِكَ مَوْجُود فِي الْغمُوس وَزِيَادَة فَإِنَّهَا محظورة لأجل الاستشهاد بِاللَّه تَعَالَى كَاذِبًا وَهَذَا هُوَ صفة الْحَظْر فِي المعقودة على أَمر فِي الْمُسْتَقْبل بعد الْحِنْث
وَلَكنَّا نقُول هَذَا الِاسْتِدْلَال
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute