فَكَذَلِك فِي حُقُوق الله تَعَالَى يفصل بَين المالي والبدني من هَذَا الْوَجْه أَلا ترى أَن من قَالَ لله عَليّ أَن أَتصدق بدرهم رَأس الشَّهْر فَتصدق بِهِ فِي الْحَال جَازَ لهَذَا الْمَعْنى
وَدَلِيلنَا على أَن التَّعْلِيق بِالشّرطِ لَا يُوجب نفي الحكم قبله من الْكتاب قَوْله تَعَالَى {فَإِذا أحصن فَإِن أتين بِفَاحِشَة} الْآيَة وَلَا خلاف أَنه يلْزمهَا الْحَد الْمَذْكُور جَزَاء على الْفَاحِشَة وَإِن لم تحصن وَقَالَ تَعَالَى {فكاتبوهم إِن علمْتُم فيهم خيرا} وَحكم الْكِتَابَة لَا يَنْتَفِي قبل هَذَا الشَّرْط
ثمَّ حَقِيقَة الْكَلَام تبتنى على معرفَة عمل الشَّرْط فَنَقُول التَّعْلِيق بِالشّرطِ تصرف فِي أصل الْعلَّة لَا فِي حكمهَا من حَيْثُ إِنَّه يتَبَيَّن بِالتَّعْلِيقِ أَن الْمَذْكُور لَيْسَ بِسَبَب قبل وجود الشَّرْط وَلَكِن بِعرْض أَن يصير سَببا عِنْد وجوده فأوان وجود الحكم ابْتِدَاء حَال وجود الشَّرْط بِمَنْزِلَة مَا ذكره الْخصم فِي الْعلَّة إِلَّا أَن فرق مَا بَينهمَا أَن الحكم يُوجد عِنْد وجود الشَّرْط ابْتِدَاء وَلكنه يُضَاف إِلَى الْعلَّة ثبوتا بِهِ وَإِلَى الشَّرْط وجودا عِنْده فَكَمَا أَن قبل وجود الْعلَّة انعدام الحكم أصل غير مُضَاف إِلَى الْعلَّة فَكَذَلِك قبل وجود الشَّرْط
وَبَيَان هَذَا الْكَلَام من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن السَّبَب هُوَ الْإِيقَاع وَالْمُعَلّق بِالشّرطِ يَمِين وَهِي غير الْإِيقَاع وينتقض الْيَمين إِذا صَار إيقاعا بِوُجُود الشَّرْط وَالثَّانِي أَن صِحَة الْإِيجَاب بِاعْتِبَار رُكْنه وَمحله أَلا ترى أَن شطر البيع كَمَا لَا يكون سَببا لِانْعِدَامِ تَمام الرُّكْن فَكَذَلِك بيع الْحر لَا يكون سَببا لِأَنَّهُ غير مُضَاف إِلَى مَحَله فَكَذَلِك فِي الطَّلَاق وَالْعتاق شطر الْكَلَام الَّذِي هُوَ إِيجَاب (كَمَا لَا يكون سَببا فَالْكَلَام الَّذِي هُوَ إِيجَاب) مَا لم يتَّصل بِالْمحل لَا يكون سَببا وَالتَّعْلِيق بِالشّرطِ يمْنَع وُصُوله إِلَى الْمحل بالِاتِّفَاقِ وَلكنه بِعرْض أَن يتَّصل بِالْمحل إِذا وجد الشَّرْط كَمَا أَن شَرط البيع بِعرْض أَن يصير سَببا إِذا وجد الشّطْر الثَّانِي