للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومقادير الزَّكَاة والديات وَمَا أشبه ذَلِك وَهَذَا لِأَن الِاتِّصَال لَا يتَحَقَّق إِلَّا بعد انْقِطَاع شُبْهَة الِانْفِصَال وَإِذا انْقَطَعت شُبْهَة الِانْفِصَال ضاهى ذَلِك المسموع من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَن النَّاس على همم شَتَّى وَذَلِكَ يَبْعَثهُم على التباين فِي الْأَهْوَاء والمرادات فَلَا يردهم عَن ذَلِك إِلَى شَيْء وَاحِد إِلَّا جَامع أَو مَانع وَلَيْسَ ذَلِك إِلَّا اتِّفَاق صنعوه أَو سَماع اتَّبعُوهُ فَإِذا انْقَطَعت تُهْمَة الاختراع لِكَثْرَة عَددهمْ وتباين أمكنتهم تعين جِهَة السماع وَلِهَذَا كَانَ مُوجبا علم الْيَقِين عِنْد جُمْهُور الْفُقَهَاء

وَمن النَّاس من يَقُول الْخَبَر لَا يكون حجَّة أصلا

وَلَا يَقع الْعلم بِهِ بِوَجْه وَكَيف يَقع الْعلم بِهِ والمخبرون هم الَّذين توَلّوا نَقله وَإِنَّمَا وُقُوع الْعلم بِمَا لَيْسَ من صنع الْبشر وَيكون خَارِجا عَن مقدورهم فَأَما مَا يكون من صنع الْبشر ويتحقق مِنْهُم الِاجْتِمَاع على اختراعه قلوا أَو كَثُرُوا فَذَلِك لَا يكون مُوجبا للْعلم أصلا هَذَا قَول فريق مِمَّن يُنكر رِسَالَة الْمُرْسلين وَهَذَا الْقَائِل سَفِيه يزْعم أَنه لَا يعرف نَفسه وَلَا دينه وَلَا دُنْيَاهُ وَلَا أمه وَلَا أَبَاهُ بِمَنْزِلَة من يُنكر العيان من السوفسطائية فَلَا يكون الْكَلَام مَعَه على سَبِيل الِاحْتِجَاج وَالِاسْتِدْلَال فَكيف يكون ذَلِك وَمَا يثبت بالاستدلال من الْعلم دون مَا ثَبت بالْخبر الْمُتَوَاتر فَإِن هَذَا يُوجب علما ضَرُورِيًّا وَالِاسْتِدْلَال لَا يُوجب ذَلِك وَإِنَّمَا الْكَلَام مَعَه من حَيْثُ التَّقْرِير عِنْد الْعُقَلَاء بِمَا لَا يشك هُوَ وَلَا أحد من النَّاس فِي أَنه مُكَابَرَة وَجحد لما يعلم اضطرارا بِمَنْزِلَة الْكَلَام مَعَ من يزْعم أَنه لَا حَقِيقَة للأشياء المحسوسة

فَنَقُول إِذا رَجَعَ الْإِنْسَان إِلَى نَفسه علم أَنه مَوْلُود اضطرارا بالْخبر كَمَا علم أَن وَلَده مَوْلُود بالمعاينة وَعلم أَن أَبَوَيْهِ كَانَا من جنسه بالْخبر كَمَا علم أَن أَوْلَاده من جنسه بالعيان وَعلم أَنه كَانَ صَغِيرا ثمَّ شَابًّا بالْخبر كَمَا علم ذَلِك من وَلَده بالعيان وَعلم أَن السَّمَاء وَالْأَرْض كَانَتَا قبله على هَذِه الصّفة بالْخبر كَمَا يعلم أَنَّهُمَا على هَذِه الصّفة للْحَال بالعيان وَعلم أَن آدم أَبُو الْبشر على وَجه لَا يتَمَكَّن فِيهِ شُبْهَة فَمن أنكر شَيْئا من هَذِه الْأَشْيَاء فَهُوَ مكابر جَاحد لما هُوَ مَعْلُوم ضَرُورَة بِمَنْزِلَة من أنكر العيان

وَلَا نقُول إِن هَذَا الْعلم يحصل بِفعل المخبرين بل بِمَا هُوَ من صنع الله تَعَالَى وَهُوَ أَنه خلق الْخلق أطوارا على طباع مُخْتَلفَة وهمم متباينة يَبْعَثهُم على ذَلِك الِاخْتِلَاف والتباين فالاتفاق بعد ذَلِك مَعَ الْأَسْبَاب الْمُوجبَة للِاخْتِلَاف لَا يكون إِلَّا بِجَامِع يجمعهُمْ على ذَلِك كَمَا قَررنَا وَفِيه حِكْمَة

<<  <  ج: ص:  >  >>