إِلَى قَوْله {وَمن يفعل ذَلِك يلق أثاما} وأيد هَذَا قَوْله تَعَالَى {وَلم يتخذوا من دون الله وَلَا رَسُوله وَلَا الْمُؤمنِينَ وليجة} فَفِي هَذَا تنصيص على أَن من اتخذ وليجة من دون الْمُؤمنِينَ فَهُوَ بِمَنْزِلَة من اتخذ وليجة من دون الرَّسُول
وَقَالَ تَعَالَى {وليمكنن لَهُم دينهم الَّذِي ارتضى لَهُم} وَفِيه تنصيص على أَن المرضي عِنْد الله مَا هم عَلَيْهِ حَقِيقَة وَمَعْلُوم أَن الارتضاء مُطلقًا لَا يكون بالْخَطَأ وَإِن كَانَ المخطىء مَعْذُورًا وَإِنَّمَا يكون بِمَا هُوَ الصَّوَاب فَعرفنَا أَن الْحق مُطلقًا فِيمَا اجْتَمعُوا عَلَيْهِ
وَقَالَ تَعَالَى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أمة وسطا لِتَكُونُوا شُهَدَاء على النَّاس} وَالْوسط الْعدْل المرضي قَالَ تَعَالَى {أوسطهم} أَي أعدلهم وأرضاهم قولا وَقَالَ الْقَائِل هم وسط يرضى الْأَنَام بحكمهم أَي عدل فَفِي الْوَصْف لَهُم بِالْعَدَالَةِ تنصيص على أَن الْحق مَا يَجْتَمعُونَ عَلَيْهِ ثمَّ جعلهم شُهَدَاء على النَّاس وَالشَّاهِد مُطلقًا من يكون قَوْله حجَّة فَفِي هَذَا بَيَان أَن إِجْمَاعهم حجَّة على النَّاس وَأَنه مُوجب للْعلم قطعا وَلَا معنى لقَوْل من يَقُول الشُّهُود فِي الْحُقُوق عِنْد القَاضِي وَإِن جعلت شَهَادَتهم حجَّة فَإِنَّهَا لَا تكون مُوجبَة للْعلم قطعا وَهَذَا لِأَن شَهَادَتهم حجَّة فِي حق القَاضِي بِاعْتِبَار أَنه مَأْمُور بِالْقضَاءِ بِالظَّاهِرِ فَإِن مَا وَرَاءه غيب عَنهُ وَلَا طَرِيق لَهُ إِلَى مَعْرفَته فَيكون حجَّة بِحَسب ذَلِك وَأما هُنَا فقد جعل الله تَعَالَى هَذِه الْأمة شُهَدَاء على النَّاس بِمَا هُوَ حق الله تَعَالَى (على النَّاس وَهُوَ علام الغيوب لَا تخفى عَلَيْهِ خافية فَإِن مَا يكون حجَّة لحق الله تَعَالَى) على النَّاس مَا يكون مَوْصُوفا بِأَنَّهُ حق قطعا كَيفَ وَقد جعل الله شَهَادَتهم على النَّاس كَشَهَادَة الرَّسُول عَلَيْهِم فَقَالَ تَعَالَى {وَيكون الرَّسُول عَلَيْكُم شَهِيدا} وَشَهَادَة الرَّسُول حجَّة مُوجبَة للْعلم قطعا لِأَنَّهُ مَعْصُوم عَن القَوْل بِالْبَاطِلِ فَتبين بِهَذِهِ الْمُقَابلَة أَن شَهَادَة الْأمة فِي حق النَّاس بِهَذِهِ الصّفة وَلَا يجوز أَن يُقَال هَذَا فِي حكم الْآخِرَة لِأَنَّهُ لَا تَفْصِيل فِي الْآيَة وَلِأَن مَا فِي الْآخِرَة يكون أَدَاء الشَّهَادَة فِي مجْلِس الْقَضَاء وَالْقَاضِي علام الغيوب عَالم بحقائق الْأُمُور فَمَا لم يَكُونُوا عَالمين بِمَا هُوَ الْحق فِي الدُّنْيَا لَا يصلحون للْأَدَاء بِهَذِهِ الصّفة فِي الْآخِرَة فِي قَوْله تَعَالَى {فَكيف إِذا جِئْنَا من كل أمة بِشَهِيد وَجِئْنَا بك على هَؤُلَاءِ} مَعَ أَن الشَّهَادَة فِي الْآخِرَة مَذْكُورَة